مؤتمر المصيلح: دعاية انتخابية بعباءة الإعمار

بينما يرزح الجنوب والبقاع تحت نيران الاعتداءات الإسرائيلية، ويستمر “حزب الله” في فرض معادلة السلاح غير الشرعي، خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري بمشهد إعلامي جديد تحت عنوان “إعادة إعمار الجنوب”. بدا في البداية كمبادرة إنمائية، لكن بعد انعقاد المؤتمر في بلدة المصيلح، تبين أنه عرض سياسي وإعلامي يهدف إلى تلميع صورة “الثنائي الشيعي” وإيهام الأهالي بأن الإعمار بات قريبًا، بينما الواقع على الأرض يعكس دمارًا مستمرًا وفقرًا متفاقمًا وتهجيرًا يوميًا.

في المؤتمر، أوكل بري للنائب محمد خواجة تلاوة بيان فضفاض تحدث عن رسالة الجنوب والصمود في وجه العدوان، وكأن مشهد الدمار يمكن أن يُعالَج بالشعارات لا بالمشاريع. كما تحدث بري أمام وفد من اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية عن “معركة الصمود والبقاء في الأرض”، متجاهلًا أن الصمود الحقيقي لا يقوم على سلاح غير شرعي واقتصاد منهار نتيجة تحالفه السياسي مع “حزب الله”.

مؤتمر شكلي بلا نتائج فعلية

مصادر لبنانية مطلعة أوضحت لصحيفة “نداء الوطن” أن المؤتمر كان شكليًا بطبيعته، وهدفه الأساسي رفع معنويات الجنوبيين وإيهامهم بأن رئيس مجلس النواب يواصل متابعة أوضاعهم. وأضافت المصادر أن النتائج العملية تكاد تكون معدومة، فلا توجد أي خطط فعلية للإعمار، ولا تمويل دولي في الأفق، طالما ظل لبنان رهينة السلاح الإيراني .

وأشارت المصادر إلى أن الإعمار لا يمكن أن يُبنى على شعارات فولكلورية، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية تعيد الثقة بالدولة، وتفرض سيادتها، وتلتزم بتنفيذ القرارات الدولية والإصلاحات المالية، بما يضمن للأهالي الأمن والاستقرار والمعيشة الكريمة .

وفد البنك الدولي وخطة المليار دولار

في ظل هذا الواقع المأزوم، سعى “الثنائي الشيعي” إلى إبراز زيارة وفد البنك الدولي كإنقاذ اقتصادي، فتم الترويج إعلاميًا للوفد الذي جال على عدد من القرى على أنه المنقذ القادر على إطلاق مسار إعادة الإعمار. ومع ذلك، أكدت مصادر مطلعة لصحيفة “نداء الوطن” أن الوفد، المكوّن من أحد عشر مديرًا تنفيذيًا، أعد برامج تفصيلية لدعم الجنوب بعد جولة ميدانية في عدة مناطق .

وتضمنت البرامج إعادة تأهيل البنى التحتية، من شبكات المياه والكهرباء إلى ترميم المدارس والمستشفيات، إضافة إلى مبادرات لتنمية القطاعات الزراعية والصناعية الصغيرة لتنشيط الاقتصاد المحلي. وقد خصص البنك الدولي قرضًا بقيمة 250 مليون دولار من أصل مليار دولار لإعادة الإعمار، غير أن إقرار الشريحة الأولى لا يزال معلقًا في مجلس النواب، في مشهد يعكس تباطؤًا لبنانيا مقلقًا في اتخاذ القرارات المصيرية. أي تمويل خارجي يبقى مشروطًا بتنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية بسرعة، محذرين من خسارة كامل المبلغ إذا لم تنجز هذه الإصلاحات خلال شهر واحد .

موقف دبلوماسي وتحذيرات المانحين

مصادر دبلوماسية عربية قالت لصحيفة “نداء الوطن” إن المؤتمر كان شكليًا بطبيعته، وهدفه رفع معنويات السكان دون تقديم حلول فعلية، في ظل استمرار لبنان رهينة السلاح غير الشرعي. وركز المؤتمر على تحميل الحكومة وحدها مسؤولية التأخير في إعادة الإعمار، متجاهلًا الشرط الأساسي للمانحين: الإصلاح وحصر السلاح بيد الدولة قبل تقديم أي مساعدات .

وأكدت المصادر أن رئيس الحكومة نواف سلام كرر أكثر من مرة أن لبنان لا يستطيع وحده إعادة البناء، وأن المساعدات الدولية لن تُصرف قبل استيفاء هذه الشروط. وتابعت المصادر أن أي برنامج جدي لإعادة الإعمار يحتاج إلى إشراف عربي ودولي مباشر لضمان الشفافية ومنع تحويل الأموال إلى مشاريع ذات طابع سياسي .

صرخة الأهالي: الشعارات الإعلامية لا تغيّر الواقع

رغم الضجة الإعلامية المحيطة بالمؤتمر، لم يشعر عدد من أهالي الجنوب بأي تحسن ملموس في حياتهم اليومية. وأعرب كثير من السكان عن استيائهم من العروض الإعلامية المصاحبة للحدث، معتبرين أن المؤتمر مجرد استعراض انتخابي يهدف إلى تعزيز صورة “الثنائي” قبل الاستحقاق النيابي المقبل، في حين لا تزال الأزمات اليومية تضغط على الأهالي. ويعيش معظم السكان مع أقاربهم أو كمستأجرين بعيدًا من منازلهم المدمرة، ما يزيد من عمق معاناتهم .

وتظهر الفجوة الكبيرة بين الخطابات الرسمية وتجارب الأهالي الواقعية مع تصاعد الغضب الشعبي. وقال أحد السكان: “نحن بحاجة إلى خطط واضحة، وتمويل عربي ودولي فعلي، وإشراف جدي على التنفيذ. لقد سئمنا من الشعارات عن الصمود، فهي مجرد ذرّ رماد في العيون، بينما الواقع يكشف معاناة حقيقية مستمرة”.

اللبنانيون باتوا يعرفون الحقيقة

إعادة الإعمار لا تبدأ إلا بقرار سيادي يضع السلاح حصريًا في يد الدولة. ما عدا ذلك، يبقى مجرد مسرحية لتجميل وجه السياسيين والأحزاب. في المصيلح أو أي منطقة أخرى، لا يمكن لأي خطوة أن تُحدث فرقًا ما لم يكن القرار السيادي بيد الحكومة اللبنانية وحدها. الأهالي يواصلون العيش في الظل، يراقبون منازلهم المدمرة وخدماتهم المتوقفة، ويائسين من شعارات فارغة، مطالبين بإعادة بناء فعلية تعيد إليهم حياتهم ومستقبلهم بعيدًا من الفولكلور السياسي والدعاية المزيفة .

مؤتمر المصيلح: دعاية انتخابية بعباءة الإعمار .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print

Popular Posts

Gallery Post Format Title
Standard Post Format Title
Nihilne te nocturnu

Vimeo Video

Categories