تتواصل المساعي الجدية لإعادة ترتيب العلاقات بين قائد الجيش والولايات المتحدة الأميركية، في الأيام القليلة الماضية عقد لقاء بين قائد الجيش رودولف هيكل والسفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى ورئيس لجنة الميكانيزم الجنرال جوزيف كليرفيلد على هامش إحدى المناسبات العامة في بيروت، في اللقاء سمع قائد الجيش إشادة أميركية بما تقوم به المؤسسة العسكرية في خطة حصر السلاح بيد الدولة، وسط معلومات تشير إلى تجدد المساعي لأجل إعادة ترتيب زيارة لقائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية. يأتي ذلك وسط مواصلة الجيش العمل على إبراز ما حققه في عملية سحب السلاح والسيطرة على مواقع كان يسيطر عليها حزب الله، وهو ما تجلى في الجولة التي نظمتها قيادة الجيش لسفراء وملحقين عسكريين إلى الجنوب لإطلاعهم على ما تحقق. هي المرة الأولى التي يصل فيها سفراء الكثير من الدول إلى الجنوب.
معادلة تفتيش المنازل
بعدما نجح الجيش اللبناني يوم السبت في حماية المنزل الذي هدد الإسرائيليون باستهدافه في بلدة يانوح الجنوبية. ولكن في المقابل، نجحت إسرائيل في تكريس معادلة إجبار الجيش على الدخول إلى المنازل والأملاك الخاصة لتفتيشها والبحث عن أسلحة فيها بناء على توجيهاتها أو مطالبتها. يؤسس ذلك لمعادلة كانت إسرائيل تسعى إلى تثبيتها وهي أن تفرض على الجيش عندما تريد الدخول إلى الأملاك الخاصة للتفتيش تحت طائلة التهديد بالقصف والتدمير، علماً أن الجيش كان يرفض ذلك من قبل. ومن الواضح أن مثل هذا المسار سيتكرر في مراحل لاحقة، وهو ما يرتبط بالمهلة التي ستمنح للبنان لاستكمال عملية سحب السلاح من جنوب نهر الليطاني، على أن تشمل هذه العملية المناطق السكنية والأملاك الخاصة، وعدم الاكتفاء بتنفيذ مداهمات في المناطق الحرجية والبعيدة.
التزام بما تريده إسرائيل
عملياً، ومن خلال ما جرى في يانوح، حقق الإسرائيليون ثلاث نقاط أساسية، الأولى هي دفع الجيش للدخول إلى المنازل. الثانية، هي وضع الجيش في مواجهة الأهالي. والثالثة، هي أن يلتزم الجيش بما تريده إسرائيل أو لجنة الميكانيزم، ومن الواضح أن الطموح الإسرائيلي يكمن في إعادة تشكيل المعادلة في الجنوب التي تكون فيها تل أبيب هي صاحبة القرار والرأي أو السيطرة الأمنية والعسكرية. وعلى وقع هذه التطورات، تجدد التصعيد الإسرائيلي واستئناف عمليات الاستهداف والاغتيال اذ نفذت ثلاث عمليات استهدفت عناصر أو كوادر في حزب الله، وسط استمرار التهديد بمواصلة التصعيد.
3 محطات حساسة
على وقع هذا التصعيد، فإن لبنان ينتظر ثلاث محطات هذا الأسبوع، الأولى لزيارة رئيس الوزراء المصري إلى بيروت حيث سيجدد المساعي المصرية لمنع حصول تصعيد، خصوصاً أن المصريين ينظرون إلى أي تصعيد على جبهة لبنان باعتباره سيسهم في إجهاض اتفاق وقف الحرب في غزة. المحطة الثانية، هي لاجتماع باريس الذي سيضم قائد الجيش رودولف هيكل مع الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، الموفد السعودي يزيد بن فرحان، والمستشارة الفرنسية لشؤون الشرق الأوسط آن كلير لوجاندر، وبحسب المعلومات فإن قائد الجيش سيضع المجتمعين في اجواء ما حققه الجيش حتى الآن وسيطلب المزيد من المساعدات كي يتمكن من استكمال بسط سيطرته وانتشاره على كل الأراضي اللبنانية. أما المحطة الثالثة فهي لاجتماع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية الميكانيزم، والتي يتم التركيز عليها بوصفها ستضع خريطة طريق لمنع التصعيد. في الاجتماع، يفترض أن يعود الموفد الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان ليشارك فيه، وسط معلومات عن حضور موفد عسكري فرنسي أو إمكانية تغيير الضابط الفرنسي المسؤول عن اللجنة، كما أن باريس بصدد تقديم مقترح حول كيفية التعامل من قبل الميكانيزم مع المرحلة المقبلة، عبر اقتراح تشكيل لجنة عسكرية مهمتها التأكد من المهام التي يقوم بها الجيش، وتوثيقه، بينما هناك من يطرح على الجيش أن يعمل على عقد مؤتمر صحافي لشرح كل المهام التي قام بها بالخرائط والصور، بالإضافة إلى وضع خطة مع جدول زمني لآلية سحب السلاح من منطقة جنوب نهر الأولي.
لبنان وجدلية إيران- أميركا
عملياً، لا يزال الاهتمام الأميركي بلبنان حاضراً، وهو ما يتلقى اللبنانيون نصائح كثيرة بشأن الاستفادة منه والإسراع في القدرة على الانجاز، كي لا يتحول اهتمام واشنطن إلى ملفات أخرى فيخسر لبنان فرصته. هذا التركيز الأميركي على الساحة اللبنانية، ينعكس تباعداً لبنانياً عن إيران وهو ما يظهر في مسار التأزم المستمر مع طهران، إذ بعد السجال المفتوح بين وزيري خارجية البلدين يوسف رجي وعباس عراقجي، برزت معلومات عن أن طهران ومنذ فترة أرسلت إلى لبنان أوراق اعتماد سفير جديد لها في بيروت بدلاً من مجتبى أماني، لكن وزير الخارجية يوسف رجي لم يقدم أي جواب لإيران ولم يمنحها الموافقة، ما استدعى تصريحاً إيرانياً عن المساعي المستمرة للحفاظ على العلاقات الديبلوماسية ولانجاز الإجراءات لتعيين السفير الجديد. ثمة من يعتبر أنه كلما ابتعد لبنان عن إيران، تمكَّن من تحسين العلاقة مع أميركا أكثر، وكلما نجح في الحصول على المزيد من الفرص والمهل، لكن الأهم هو مواصلة العمل في إطار تطبيق خطة حصر السلاح. هذه الخطة هي الشرط الأساسي لعقد مؤتمر دعم الجيش اللبناني.
لبنان والخيار الصعب: إبعاد طهران يقرّب واشنطن.. ورهانٌ فرنسي .