“جود” بدل “القرض الحسن”: إعادة تشكيل الذراع المالي لـ”الحزب”

image-1763651621.jpg-1

لم يكن الحصار على حزب الله  بعد الحرب الأخيرة على لبنان عسكريًا فقط، ولا سيما لناحية التداعيات التي نزلت كالصاعقة على بيئة المقاومة، إذ أراد خصوم حزب الله في الخارج بتر الذراع المالي الذي لا يقل أهمية عن الذراع العسكري. 

وترتبط الذراع المالي للتنظيم الأصفر ضمنيًا بمؤسسة “القرض الحسن”، والتي تُعدّ بمثابة المصرف المالي للحزب. ومع الضغط الأميركي، بدا الحزب متيقنًا من صعوبة المرحلة المقبلة وضرورة التعامل معها بحذر وذكاء حفاظًا على ما يمكن الحفاظ عليه. 

سبق وأبلغ حزب الله المعنيين باستحالة الإغلاق الكلي، وأن المؤسسة غير مرتبطة فقط بالتنظيم بل ببيئة كاملة قوامها ثلاثمئة ألف متعامل، بنشاط مالي وصل إلى ثلاثة مليارات دولارات وأطنان من الذهب. 

من هنا بدأ البحث جديًا عن مخرج قانوني لا يُحرج الدولة ويحافظ على ماهية المؤسسة المالية. وكانت “المدن” قد نشرت في وقت سابق معلومات عن طرح مخرج للتعامل مع قضية القرض الحسن يتمثّل بحلها بشكلها الحالي واستحداث مؤسسة بديلة قانونية. فكيف وظّف الحزب خبراته لحل المعضلة التي تؤرق بنيته كما موضوع السلاح؟

مؤسسة “جود”… البديل القانوني

بحسب المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، فإن مؤسسة مالية جديدة مسجّلة تجاريًا تحت إسم “جود”، خاضعة لقانون التعامل التجاري في لبنان، تُعنى بشراء وبيع الذهب بالتقسيط، ستحلّ مكان مؤسسة “القرض الحسن” بعد إقفالها، لاستكمال المسيرة المالية للحزب. وبدأت بوادر هذا الأمر تتضح عندما لاحظ بعض المتعاملين مع “القرض الحسن” صدور فواتير عن مؤسسة تُدعى “جود”، وقد اختلفت الإجراءات المتبعة، فلم تعد المعاملات تجري كما كان عليه الأمر في السابق على مبدأ الرهن مقابل المال، بل باتت تتمثّل بعقدين: الأول شراء الذهب من قبل المؤسسة مقابل مبلغ معيّن يُدفع للشخص، والثاني بيع الذهب للمتعامل بالتقسيط ولمدّة زمنية محددة، ويقوم باستلام ما وضعه من الذهب بعد أسبوعين من تاريخ الوضع، وهو ما كان عليه الأمر في السابق لكن وفق إجراءات وأوراق مختلفة.

ووفق معلومات “المدن”، فإن إجراءات عدة أيضًا تربط عملية البيع والشراء، شبيهة بتلك التي كان عليها الوضع سابقًا، فإذا تخلّف المتعامل عن دفع قسطين من فاتورته تُعتبر الأقساط كافة مستحقّة. والإجراءات التي تُدار بها مؤسسة “جود” تخضع لاستشارات خبراء قانونيين، لعدم الوقوع بأي خلل قانوني في التعامل.

موقف الحزب: الالتزام بالقانون وخدمة الناس

وقال مصدر مقرب من حزب الله لـ”المدن” إن مؤسسة “القرض الحسن” مؤسسة اجتماعية تعود فوائدها على المجتمع اللبناني ككل، فروعها بالعشرات وموجودة في كل المناطق اللبنانية، ويتعامل معها اللبنانيون من كل الطوائف. ولكن طالما أن الدولة مضطرة للتعامل مع الضغوط الأميركية وتدّعي عدم قوننة المؤسسة، فنحن سنقوم بكل ما يلزم لجعلها في الإطار القانوني وتمكين المواطنين اللبنانيين الذين خسروا جنى أعمارهم في المصارف اللبنانية من الاستفادة من الوضع الحالي. 

وتعليقًا على استبدال “القرض الحسن” بـ”جود”، يتحفّظ المصدر عن الرد ويقول: نقوم بكل ما يلزم ونتعاون مع الدولة اللبنانية، وليس من عاداتنا مخالفة القوانين والأنظمة المرعية. ولكن اليوم، إذا جرى استفتاء رأي عام لبناني حول من أفضل وبمن يثق اللبنانيون أكثر، “القرض الحسن” أم المصارف، لقالوا علنًا “بالقرض الحسن“.

خدمات تحت سقف القانون… ولكن

ظاهريًا، لن تبقى خدمات “القرض الحسن” كما كانت عندما تتحوّل المؤسسة إلى “جود”، فإن رهن الذهب والصراف الآلي سيخرجان من الخدمة، لتستمر بتقديم الخدمات تحت سقف القانون وضمن فواتير رسمية، وتخضع للضرائب والرسوم المفروضة، ولا تُبقي أي ذريعة لدى الدولة للخضوع للمطلب الخارجي. لكن وإن قبلت الدولة اللبنانية بإجراء الحزب، الذي قد يكون ظاهريًا إغلاق المؤسسة واستبدالها بمؤسسة قانونية أخرى، هل سيقبل الأميركيون الذين أصرّوا على إغلاق ومحاصرة القدرات المالية لحزب الله؟

وبحسب مصدر قانوني معارض لإجراءات الحزب، فإن ما يقوم به التنظيم الأصفر حرفيًا هو استبدال اللوحة الموضوعة عليها مؤسسة “القرض الحسن” بلوحة أخرى مكتوب عليها اسم المؤسسة الجديدة فقط لا غير. 

وهذا الإجراء سيزيد من الشرخ مع المجتمع الدولي إذا ما قبلت به الدولة اللبنانية، وسيُعتبر تحايلاً وتلاعبًا وضعفًا لبنانيًا في التعامل مع الحزب. وردًا على سؤال حول الحل في التعامل مع مؤسسة مرتبط بها مئات الآلاف من الأشخاص، يقول: عليهم إبراء ذممهم وبعدها الإغلاق، ولا غير ذلك.

معركة موازية للسلاح

لكن على ما يبدو، فإن الحزب أوضح حقيقةً لمن يعنيهم الأمر أنه غير مستعد للتنازل أكثر، ولن يسمح بإلحاق الضرر ببيئته التي تستفيد من هذه المؤسسة وتتعامل معها وتيسّر أمورها. وسيدافع عن هذا الأمر بالطريقة نفسها التي يدافع فيها عن السلاح، فالأمران هدفهما، بحسب تفكير قيادة حزب الله، إحكام الخناق حتى الاستسلام، وهذا لن يحدث أبدًا.

وبحسب معلومات “المدن”، فإن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يُشرف شخصيًا على هذا الملف، وطلب من قيادة الحزب إعطاءه أولوية واعتباره موازيًا لملف السلاح، والتعامل معه بما لا يشكّل صدامًا مع الدولة ويحافظ على الخدمات المقدّمة وركيزة المؤسسة الاجتماعية. 

وحسب معلومات “المدن” أيضًا، فإن الإقبال على المؤسسة تزايد في الفترة الأخيرة، وذلك لسببين: الأول دعم المؤسسة التي تعتبرها الناس وقفت إلى جانبها في أحلك الظروف، وثانيًا ثقتهم بأن مستحقاتهم سوف تعود إليهم مهما كانت النتيجة. ويعودون بالذاكرة لما حدث بعد حرب 2006 والحرب الأخيرة، حيث عاودت المؤسسة مباشرة عملها بالرغم من القصف الذي لحق بها، وقامت بتسديد المستحقات للناس.

الذراع المالي… باقٍ وإن تغيّر الاسم

وعليه، فإن حزب الله يحاول، بالقانون، الحفاظ على ذراعه المالي بتغيير الاسم. لكن السؤال الأهم ليس كيف ستتعامل الدولة مع الأمر؛ بل كيف سيتعامل الأميركيون مع خطوة الحزب الجديدة إن استكملت؟

“جود” بدل “القرض الحسن”: إعادة تشكيل الذراع المالي لـ”الحزب” .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print