الانتخابات موضع تساؤلات والتأجيل لعبة ذات حدّين

نبيه-بري-1

قد يعجب من يستمع إلى بعض المستقلّين وأنصار المجتمع المدني والعلمنة، كيف يدافعون عن “اتفاق الطائف” ومندرجاته ويعتبرونه الميثاق الوطني الجديد، وتاليًا يرتدي صفة الثبات والاستمرارية، علمًا أن بعض بنوده لم يُطبَّق بعد أو طُبّق بشكل خاطئ ومخالف للنص بحدّ ذاته.

ويلفت هؤلاء في مجالسهم إلى أن وثيقة الوفاق الوطني، ما زالت وحتى إشعار آخر، المخرج المثالي لمختلف الأزمات والإرباكات التي يعيشها لبنان، بل إنها تمثل الباب العريض للولوج إلى لبنان المرجوّ والمتحرّر من سلبيات الطائفية وما تعنيه من محاصصة وتقاسم مناصب ومغانم، بسبب استغلالها لغايات ومصالح فئوية وسلطوية بدلًا من التركيز على خدمة المصلحة العامة.

على أن المفاجئ في موقف المستقلّين والعلمانيين، هو حرصهم على الشراكة الفعلية والتوازن الوطني، بل إنهم لا يبدون أيّ تحفظ على استمرار المناصفة ليس بفعل الدستور ونصّ القانون، بل من خلال الحرص المشترك على الابتعاد عن حسابات الأعداد والأرقام، والتوصل إلى قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، ويؤمّن المناصفة بنسبة كبيرة عبر اعتماد الدائرة الفردية التي تراعي الاعتبارات التاريخية والاجتماعية. ولكن قبل ذلك، لا بدّ من العودة إلى ما تمّ الاتفاق عليه في الطائف، وهو اعتماد مجلس نيابي مؤلّف من مئة وثمانية مقاعد، وهو ما تمّ تطبيقه عندما تمّت زيادة عدد النواب بالتعيين بعيد نهاية الحرب تعويضًا عن الشغور الكبير في عدد النواب بسبب الوفاة، فأضيف خمسة وخمسون نائبًا إلى الباقين أحياء، ليصبح العدد الإجمالي 108 مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، ولكن سرعان ما ضغطت سلطة الوصاية السورية بالتعاون مع الحلفاء والأتباع، ليتمّ رفع عدد النواب إلى 128 بشكل استنسابيّ مدروس، كان الهدف الأساسي منه احتواء المعارضة المسيحية عبر إلحاق عدد من المقاعد المسيحية في دوائر ذات أغلبية إسلامية ساحقة، على غرار المقعد الماروني في طرابلس والمقعد الماروني في البقاع الغربي والمقعد الأرثوذكسي الثاني في عكار. وهذا الواقع كرّس المزيد من الخلل في التوازن الوطني، لأن لا شيء في حينه يبرر زيادة عدد النواب إلّا للأسباب السياسية المعروفة.

ولذلك، لا بدّ من العودة إلى مجلس نيابيّ بـ 108 نوّاب، وقانون انتخاب يعتمد الدوائر الصغرى التي تؤمّن أفضل وأصدق تمثيل، مع إلغاء القيد الطائفي، ولكن شرط أن تراعي الانتشار الديموغرافي والاجتماعي التاريخي للمسيحيين والمسلمين، بما يؤمّن المناصفة إلى حدّ كبير، وحينها يمكن أن يفوز مرشح مسلم في دائرة أكثرية ناخبيها من المسيحيين أو يفوز مرشح مسيحيّ في دائرة أكثرية ناخبيها من المسلمين. وعلى سبيل المثال، يمكن تقسيم قضاء جبيل إلى ثلاث دوائر، منها اثنتان بأكثرية مسيحية ودائرة واحدة بأكثرية شيعية، مع استمرار وجود أقلية وازنة شيعية في الدائرتين المسيحيتين وأقلية مسيحية وازنة في الدائرة ذات الأكثرية الشيعية أو المسلمة. وفي مثال آخر، يتمّ تقسيم دائرة الزهراني إلى ثلاث دوائر، واحدة شمال الزهراني وتعتمد خط البلدات المسيحية شرق صيدا مع أقلية شيعية وسنية، ودائرتين بأكثرية شيعية، فحينها لا يمكن للمسيحيين ادّعاء الظلامة والخضوع للهيمنة، بينما تتحكّم الأكثرية الشيعية بالمقعدين في الدائرتين الأخريين، ولا شيء يمنع أن تنتخب هذه الأكثرية نائبًا مسيحيًا أو نائبين مسيحيين عن الدائرتين إذا وجدت فيهما مواصفات فضلى.

ووقف ما تقدّم، يتمّ الخروج من عقدة الطائفية مع مراعاة الشراكة والتوازن بين المسيحيين والمسلمين، كي يبقى للبنان الوطن معنى، وكي يستمرّ نموذجًا لعيش مشترك يتحرّر تدريجًا من الهواجس والمخاوف المتقابلة.

أما في شأن مصير الانتخابات المقبلة، فلا يرى المستقلّون أنفسهم ضرورة لإجرائها في موعدها طالما أن “حزب اللّه”، ما زال مهيمنًا على المشهد السياسي ويحتفظ بسلاحه، ما يعني أن لا شيء مهمًا سيتغيّر في المعادلة السياسية الراهنة، طالما أن جماعة “الممانعة” تستطيع الاستمرار في التعطيل ووضع الفيتوات. ويلفتون على صعيد آخر، إلى أن المادة 24 من الدستور بعد الطائف نصت على توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، أي على اعتماد المناصفة الفعلية، أي التي يصل من خلالها النواب المسيحيون وفق إرادة المسيحيين الغالبة والأمر نفسه بالنسبة للنواب المسلمين، وإلّا ما معنى التساوي بين المسيحيين والمسلمين، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

واستكمالًا لذلك، نصت المادة 95 من الدستور، على أن مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين هو الذي ينبغي أن يتخذ الإجراءات المناسبة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية. ومعنى ذلك لمن يحاول إغفال الحقيقة، أن مجلسًا يلحظ المناصفة الفعلية لا المناصفة الشكلية، بحيث ينال نصف نوابه من المسيحيين رضى أكثرية ناخبيهم المسيحيين، هو الذي يمكنه أن يُطمئن المسيحيين ويوحي لهم بالثقة حيال مسألة إلغاء الطائفية، وليس مجلس نواب يأتي عدد كبير من نوابه المسيحيين بأصوات المسلمين، وبالتالي لا بدّ من “البناء على الصخر وليس على رمال التكاذب”.

الانتخابات موضع تساؤلات والتأجيل لعبة ذات حدّين .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print