فضيحة “عقارية المتن”: شللٌ ممنهجٌ… وشبهات تُحرِّكها النيابة العامة!

WhatsApp-Image-2025-12-12-at-11.43.34-PM

الحلّ النهائي يجب أن يجمع بين المساءلة والإصلاح، لأننا بحاجة إلى رقمنة كاملة، وإلى وضع آليّاتِ تَتَبُّعٍ شفّافة ومُلزمة، إضافةً إلى تعزيز الرقابة الداخلية. لا يمكن لمؤسّسة عقارية أن تعمل بمنطق القرن الماضي.

 

في مشهدٍ يوصف بأنّه الأخطر منذ سنوات، تتصاعد شكاوى المواطنين والناشطين القانونيين في قضاء المتن من “شلل شبه كامل” يضرب مركز السجل العقاري في الزّلقا، حيث تتحوّل المعاملات العقارية إلى رهائن في الأدراج لشهورٍ وسنواتٍ، فيما تتكرّر طلبات المستندات من أصحاب الملفات بطريقةٍ يصفها المتضرّرون بأنها عرقلة مُمنهجة لا تفسير لها.

المراجعون يتحدثون عن معاملات تتوه بين المستودع والأقلام بلا أي تبرير، وعن ضياع سندات ملكية وملفات كاملة، ما يعرّض حقوق الناس للتهديد ويدفع الكثيرين إلى طرق أبواب سماسرة يقدّمون أنفسهم كـ”حلٍّ وحيدٍ” مقابل مبالغ مالية.
أحد المواطنين يُلخّص المشهد بمرارة: “لا أحد يردّ علينا… إلّا إذا استعنّا بسمسار يقول إنّه قادر على تحريك الملف خلال أيام، بينما معاملتنا عالقة منذ سنوات”.

المحامي شربل عرب: ما يجري يتجاوز الإهمال ويُهدّد الثقة بالمؤسسة

من جهته، يُبدي المحامي شربل كميل عرب قلقًا بالغًا ممّا يُسمّيه “تراكم شبهات” حول كيفيّة إدارة المعاملات في السجل العقاري في المتن. ويشير، في حديث موثق لـ “هنا لبنان”، إلى أنّ “ما يُروى من مواطنين لا يمكن التعامل معه كوقائع معزولة، بل بوصفه ظاهرة تتكرّر بشكل يستدعي التحقيق”.

ويقول عرب: “نحن أمام مشهد غير طبيعي. شكاوى الناس تتكرّر بالشكل ذاته: تأخير غير مبرّر، طلب مستندات متتابع من دون سبب، ووجود وسطاء يتحرّكون بسرعة ملفتة. إذا صحّ ذلك، فالأمر لا يندرج فقط في خانة الإهمال، بل يلامس الرشوة وتنظيم عرقلة منهجية لحقوق المواطنين”.

ويشرح عرب أن “القانون واضح لناحية مسؤوليات أمناء السجل: الموظف ملزم قانونًا بطلب المستندات المطلوبة دفعة واحدة، وتحديد النواقص بوضوح. أمّا تكرار الطلبات عبر أشهر متلاحقة فهو خرق لواجبات الوظيفة وقد يشير إلى نيّةٍ في التجميد المُتعمّد للملفات”.

“تأخير متعمّد لتبرير السمسرة”

وبحسب عرب، فإنّ أخطر ما يرد ضمن الشكاوى هو الربط بين التأخير الطويل وبين تسريع مفاجئ بمجرّد تدخّل وسيط.

ويضيف: “هذه المقارنة وحدها تخلق شبهةً. عندما تبقى معاملتك عالقةً سنة أو أكثر من دون تفسير، ثم تُنجز خلال أسبوع بعد تدخّل سمسار، فهذا يشير إلى احتمال وجود آليّة غير قانونية داخلية. هنا ندخل في نطاق الرشوة واستغلال النفوذ، وربّما الاحتيال إذا كان التأخير مقصودًا لدفع المواطن إلى قبول الحلّ غير الشرعي”.

ويرى عرب أنّ الأمر قد يتطوّر في حال ضياع مستنداتٍ أصليةٍ أو سندات ملكية: “ضياع ملفات أو سندات ملكية ليس مجرّد خطأ إداري. هذه وثائق قانونية محمية. فقدانها قد يشكل تزويرًا مادّيًا أو معنويًا أو إهمالًا جسيمًا يؤدّي إلى ضرر مباشر بحقّ المواطن والدولة”.

“الملف اليوم لم يعد إداريًا… إنّه قضية رأي عام”

ويشدّد عرب على أنّ “حجم الغضب الشعبي المتصاعد يجعل من هذا الملف قضية رأي عام تستوجب تحركًا فوريًا”.

ويضيف: “الناس لم تعد تثق بأنّ معاملاتها آمنة. هناك خوف حقيقي من ضياع الحقوق العقارية، وهذا يمسّ الأمن العقاري في أحد أكبر أقضية لبنان. لذلك لا يمكن لأي جهة اعتبار الموضوع تفصيلًا”.

الخطوة المقبلة: إخبار إلى النيابة العامة

ويؤكد عرب أنه وفريقًا من المحامين يدرسون تقديم إخبار رسمي يتضمّن نماذج من الشكاوى، وتوثيقًا لحالات تأخير وضياع لملفات، تمهيدًا لفتح تحقيق قضائي ويقول: “هدفنا ليس استهداف أشخاص، بل حماية المؤسّسة. التحقيق وحده قادر على تحديد المسؤوليات، سواء كانت فردية أو بنيوية. أمّا الصمت فهو تشجيع على استمرار التجاوزات”.

ويُضيفُ أنّ “الحلّ النهائي يجب أن يجمع بين المساءلة والإصلاح، نحن بحاجة إلى رقمنة كاملة، وإلى وضع آليّات تَتَبُّعٍ شفّافة ومُلزمة، إضافةً إلى تعزيز الرقابة الداخلية. لا يمكن لمؤسّسة عقارية أن تعمل بمنطق القرن الماضي”.

وبموازاة ذلك، يقول مصدر إداري في أحد المكاتب العقارية (فضّل عدم ذكر اسمه) إنّ تضخم عدد المعاملات ونقص الموظفين “سببان رئيسيّان في التأخير”، لكنّه “يعترف في الوقت نفسه بوجود تجاوزاتٍ فرديةٍ يجب ضبطها”.

ويقول: “هناك موظفون يقومون بواجباتهم بكامل الجدّية، لكن لا يمكن إنكار أنّ بعض الثغرات في آليّة حفظ الملفات والسير الإداري تؤدّي أحيانًا إلى ضياع معاملات أو تأخّرها بشكل غير مبرّر… وهذا أمر يحتاج إلى إصلاح جذري”.

بين شكاوى المواطنين وتوضيحات بعض الموظفين، يبقى السجل العقاري في المتن أمام امتحان شفافيّة وإصلاح عاجل، في انتظار الإجراءات التي قد تتّخذها النيابة العامة بعد الإخبار المرتقب.

فضيحة “عقارية المتن”: شللٌ ممنهجٌ… وشبهات تُحرِّكها النيابة العامة! .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print