لم تُعر المصارف يوماً اهتماماً جدّياً لأي تعميم أو قرار صادر عن سلطة رقابية، ما لم يكن منسجماً مع مصالحها أولاً. وليس مستغرباً أن تستمر في فرض عمولات ورسوم غير مبرَّرة على الحسابات المصرفية والودائع المحتجزة، وصولاً إلى تحميل المودعين المستفيدين من التعاميم مثل 158 و166 رسوماً إضافية على السحوبات التي تُقتطع أساساً من ودائعهم المحتجزة لديها. تتجاهل المصارف بشكل واضح القرارات والتعاميم التي تمنع فرض مثل هذه الرسوم على الحسابات والودائع.
وقد تناولت عدة قرارات وتعاميم من مصرف لبنان موضوع الحسابات والودائع، لناحية عدم إخضاعها لأي عمولات أو رسوم، كان آخرها المذكرة رقم 4/2025 التي استندت فيها لجنة الرقابة على المصارف إلى التعميم الأساسي رقم 147 الصادر بتاريخ 3 أيلول 2019 وتعديلاته، إضافة إلى تعاميم أخرى في السياق نفسه.
وكانت اللجنة قد طلبت منذ أكثر من شهر من المصارف الامتناع عن فرض أي رسوم أو عمولات جديدة على حسابات الودائع بالعملات النقدية وغير النقدية، سواء تلك المصنفة من قبل المصارف “فريش” أو ما يُعرف بالدولار المصرفي “اللولار”. إلا أن الواقع يظهر غياباً شبه تام لفعالية لجنة الرقابة على المصارف، إذ لا تزال العمولات تفرض فعلياً، فيما تضاف رسوم جديدة، لا يعرف المودع ماهيتها أو مبرّرها.
عمولات التعاميم 158 و166
وإن كانت عموم العمولات والاقتطاعات غير المنطقية مخالفة بطبيعتها لقرارات لجنة الرقابة وتعاميم مصرف لبنان، إلا أنّ أكثر العمولات فظاعة هي تلك التي تفرضها المصارف على المودعين المستفيدين من التعاميم 158 و166، أي الرسوم المفروضة على الودائع المحتجزة نفسها. إذ يفرض بنك عوده نسبة 2 بالألف على السحوبات من التعميم 158، أي 1.6 دولار من أصل 800 دولار، كما يفرض بنك لبنان والمهجر عمولة بقيمة 5 دولارات كل ثلاثة أشهر، بينما تتقاضى مصارف أخرى 7 دولارات شهرياً.
ولا يقتصر الأمر على السحوبات، بل تتقاضى المصارف أيضاً ثمن البطاقة المصرفية التي تُمكّن المودعين من الاستفادة من الـ200 دولار الإضافية بموجب التعميم 158 والـ100 دولار بموجب التعميم 166 عند استخدامها في نقاط البيع POS ويبلغ ثمن هذه البطاقة 10 دولارات لدى العديد من المصارف مثل فرست ناشونال بنك وبلوم بنك.
وتتكرس المشكلة أكثر عند استخدام هذه البطاقات، إذ وقع العديد من المودعين تحت رحمة المصارف ونقاط البيع، بعدما فرض مصرف لبنان إلزامية إنفاق المبالغ المحددة عبر البطاقات حصراً.
فإلى جانب بيع المصارف للبطاقات، تفرض بعض نقاط البيع عمولات مرتفعة جداً، وصلت لدى إحدى شركات الحواسيب (computers) إلى نسبة 10 في المئة على الـ200 دولار، فيما يُطلب من الزبون تسديد باقي الفاتورة نقداً بقيمة 900 دولار. وينسحب هذا الأمر على العديد من نقاط البيع التي ترفض قبول البطاقة المصرفية. ومن يقبل يفرض عمولات كيفما يشاء ومن دون أي سقف، في ظل غياب أي جهة تمنع المؤسسات والمتاجر من فرض هذه العمولات أو تحدد قيمتها.
عندما رفع مصرف لبنان سقوف السحوبات للمستفيدين من التعميمين 158 و166، لم يأخذ في الاعتبار الواقع الفوضوي للسوق، وانعدام ثقة المؤسسات والتجار بالبطاقات المصرفية، ما أدى إلى وقوع المودعين في فخ الابتزاز من أجل قبول بطاقاتهم التي لا خيار لهم سوى استخدامها، ولو على حساب خسارة نسبة كبيرة منها عمولات ورسوم.
العمولات بعد قرار لجنة الرقابة
وعلى رغم حظر لجنة الرقابة على المصارف صراحةً اقتطاع أي عمولات غير مبرّرة من حسابات المودعين، يستمر عدد كبير من المصارف في عملية الاقتطاعات غير القانونية. وتتراوح هذه الاقتطاعات بين 5 دولارات شهرياً، كما هو الحال في بنك لبنان والمهجر، و20 دولاراً كما هو حال بنك بيروت. وينفرد كل مصرف بفرض الرسوم التي يريدها دون أي رقيب، وهو ما يفسّر تفاوت العمولات بين المصارف.
ولا ينجو أي نوع من الحسابات من العمولات، إذ تفرض المصارف جميعها عمولة شهرية على الحسابات الجارية وحسابات توطين الرواتب تتراوح بين دولارين و5 دولارات، مع إضافة رسوم أخرى في بعض المصارف لتصبح 7 دولارات شهرياً. أما الحوالات فلا تفرض عليها عمولات عادية فحسب، بل اقتطاعات تصل إلى مستوى مشاركة العميل بحوالته المالية، وتتراوح الحسومات بين 10 بالألف، كما هو الحال في مصرف SGBL و30 بالألف، كما هو حال عدد كبير من المصارف.
وقد وصلت المخالفات إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يفرض بنك البحر المتوسط MEDمبلغ 80 دولاراً نقداً (فريش) لقاء تبديل دفتر الحساب، الذي كانت تكلفته قبل العام 2019 نحو 10 آلاف ليرة فقط (أي حوالي 7 دولارات).
مخالفات المصارف تلك جعلت من قرارات وتعاميم لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان حبراً على ورق.
مصارف تتحدّى لجنة الرقابة… عمولات تصل إلى 80 دولاراً .