تشهد العلاقات اللبنانية – المصرية في المرحلة الراهنة مستوى متصاعدًا من الزخم، تزامنًا مع العهد السياسي الجديد في لبنان ومع التحوّلات الإقليمية المتسارعة. وفي هذا السياق، يقدّم السفير المصري لدى لبنان علاء موسى قراءة شاملة لطبيعة الدور الذي تضطلع به القاهرة اليوم، وللدوافع التي تقف خلف انخراطها المتزايد في الملف اللبناني، سواء على صعيد دعم الاستقرار الأمني أو مساندة الجيش أو التعاون في الوساطات الإقليمية.
مقاربة مصرية أكثر وضوحًا
يرى السفير موسى أن العهد الجديد في لبنان شكّل نقطة تحوّل في مقاربة القاهرة. ويقول: “لبنان اليوم، وبعد العهد الجديد، أصبحت أركانه واضحة ومستقرة. وهذا الأمر يساعد الدول الأخرى، وليس مصر فقط، على إعادة الانخراط في التعامل المؤسسي مع الدولة اللبنانية. وهذا بالضبط ما نقوم به نحن”.
ويوضح موسى حجم التواصل الرسمي المتزايد بين البلدين، قائلاً: “الرئيس جوزاف عون كما رئيس الحكومة نواف سلام، قاما بزيارتين إلى مصر، بينما جاء وزير الخارجية المصري إلى لبنان أربع مرات. هذا مؤشر واضح إلى أين وصلنا، وما هو موقع لبنان بالنسبة لمصر مقارنة بدول أخرى”. ويتابع: “لم يزر وزير الخارجية أي دولة أخرى أربع مرات خلال هذه الفترة، وهذا يعكس مدى اهتمام مصر بلبنان”. ويشدّد على ثبات الالتزام المصري فيقول: “نعمل معًا ليس فقط لمصلحة مصر، بل للمصلحة المشتركة بين البلدين. الالتزام المصري لم يتغيّر، بل أصبح أكثر وضوحًا مع العهد الجديد”.
مصر لن تتوانى عن تقديم أي دعم أمني أو لوجستي
في ملف بسط سلطة الدولة وحصر السلاح، يعبّر السفير موسى عن فهم دقيق للمسار اللبناني، فيرى أن خطوات الحكومة اللبنانية لا تقتصر على مسألة حصر السلاح بيد الدولة فقط، بل إن خطاب القسم والبيان الوزاري يتضمنان هذا العنوان باعتباره أساسيًا لإعادة فرض الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها.
ويشير موسى إلى أن القاهرة تتابع خطوات المؤسسات اللبنانية باهتمام معتبرًا أن الجميع بات شاهدًا على خطوات تدريجية واضحة، وخصوصًا خطة الجيش التي أقرّتها الحكومة. وهناك ردود فعل إيجابية جدًا من الدول الأعضاء في الآلية المكلّفة بالإشراف على تنفيذ الاتفاق. وعن استعداد مصر للمساهمة العملية، يقول موسى إن مصر لن تتوانى عن تقديم أي دعم أمني أو تدريبي أو لوجستي يمكن أن يخدم الدولة اللبنانية وهناك قنوات مفتوحة مع المؤسسات الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
مؤتمر دعم الجيش واستحقاقات ما بعد “اليونيفيل”
ويعتبر موسى أنّ المرحلة المقبلة تتطلّب دعمًا عاجلًا للمؤسسة العسكرية ويؤكد أن مصر تولي أهمية كبيرة لعقد مؤتمر دعم الجيش اللبناني، “ونتواصل مع السعودية وفرنسا ودول أخرى لعقده بأسرع وقت. فالمهام الملقاة على الجيش كبيرة، خصوصًا مع احتمال إنهاء مهمة اليونيفيل”. أما حول البديل المحتمل للقوات الدولية، فيوضح أن هناك هواجس مشتركة حول البديل، ومن بين الخيارات تمكين الجيش اللبناني للسيطرة على المنطقة الحدودية، إلى جانب دعم الأصدقاء. وكيفية هذا الدعم هي محور نقاش بين الدول المعنية.
دور القاهرة في منع التصعيد
وحول دور القاهرة في احتواء التوتر على الحدود الجنوبية، يقول موسى إن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية وتغير وتيرتها كمًّا ونوعًا، فرضا التحرّك المصري وإن ترك الأمور على حالها كان ليزيد احتمالات التصعيد. ويشدّد موسى على أن مصر تتحرّك من موقع غير منحاز، فهي لا تمتلك أي أجندة داخل لبنان، “وهذا يجعل اللبنانيين يعتبرونها طرفًا صديقًا يمكنه المساعدة”، على حد تعبيره. أما الهدف المرحلي للتحرّك، فهو تخفيف التوتر في الجنوب وتجنب أي اعتداء قد يتطور “إلى ما لا تُحمد عقباه”.
تجربة غزة والفرصة السياسية
يربط موسى توقيت التحرّك المصري بالتحولات الإقليمية بعد حرب غزة فيقول إنه “منذ 7 تشرين الأول 2023، كنا نقول إن استمرار الحرب سيؤدي إلى فتح جبهات أخرى. ومع وقف إطلاق النار ومؤتمر شرم الشيخ، لمسنا توجهًا دوليًا لإحلال السلام. حاولنا نقل هذا الزخم إلى الملف اللبناني لأنه الأكثر عرضة للتصعيد”. ويضيف: “لم يطلب أحد من مصر التدخل. لكن لبنان تعرض لأخطار كبيرة وكان لا بد من التحرّك، لأن استقراره جزء من الأمن القومي العربي والمصري”.
قنوات تواصل واسعة تشمل إسرائيل وإيران
وفي سياق الوساطة، يكشف موسى عن مستوى التعاون المصري، فيقول إن هناك تواصلًا مصريًا مع الأطراف كافة من ضمنها الإسرائيلي والأميركي وحتى الإيراني. “فالأزمة اللبنانية لها انعكاسات إقليمية واضحة، ولا يمكن معالجتها بمعزل عن الأطراف المؤثرة”. ويكمل: “النتائج غير مضمونة، لكن عدم التحرّك يعزز احتمالات التصعيد”. ويرى موسى أن الاحتمالات مفتوحة فلا أحد يستطيع الجزم بأن الحرب غدًا أو أنها لن تقع، لكن إذا استمرت الاعتداءات على ما هي عليه من دون تدخل، فاحتمالات التصعيد تبقى كبيرة. ويقول: “نتحرك بلا توقف بحثًا عن أي فرصة تخدم لبنان وتجنبه الأسوأ”.
السلام مع إسرائيل بين النقاش الشعبي والوقائع الميدانية
وعن تصاعد الخطاب الشعبي في لبنان الداعي إلى السلام مع إسرائيل، يعتبر موسى أنه ليس في موقع يسمح له بتشجيع لبنان على اتخاذ أي قرار. لكن برأيه قبل الحديث عن المستقبل يجب معالجة الواقع: “أراضٍ محتلة، خروقات يومية، أسرى لبنانيون، وحدود غير مرسّمة، هذه الملفات يجب أن تُحل أولًا وبعدها لكل حادث حديث”.
أما في الشق الاقتصادي، والتعاون بين مصر ولبنان، فكان الملف الاقتصادي بحسب موسى المحور الأساسي لاجتماع اللجنة العليا المشتركة خلال زيارة الرئيس نواف سلام إلى مصر، وستستكمل الزيارة المقبلة لرئيس الوزراء المصري هذا المسار.
ويقدّم موسى صورة عن مجالات العمل المقبلة، إذ إنها ستناقش فرص الاستثمار المتبادلة، وإعادة إعمار لبنان، ليس فقط الجنوب فهناك قطاعات كثيرة توقفت عن العمل لسنوات طويلة، فبرأي موسى، إن القطاعات التي تتميز بها مصر، وعلى رأسها الإنشاءات والطاقة، قادرة على لعب دور مهم في عملية الإعمار.
وفي الختام، أعاد موسى التأكيد على موقف بلاده الداعم للبنان، “فمصر ترى لبنان صديقًا وشريكًا، وهناك ملفات كثيرة يمكن أن نستفيد منها سويًا. هذا البلد قادر على أن يكون في مكان أفضل، وسيكون كذلك”.
السفير المصري: غياب المبادرة المصرية كان ليزيد احتمالات التصعيد .