يعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب…
سلّط مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع بمصر، أخيراً، الضوء على “طقس” شديد الغرابة، يسمى “البشعة”، محدثاً صدمة لدى قطاعات واسعة من المصريين.
وقد لفت مشهد غرائبي في المقطع الأنظار لما يصفها عالم الاجتماع المصري الدكتور سعيد صادق بأنها “جيوب الخرافة” التي تمارس أموراً “شديدة التخلف” بمعزل عن بقية المجتمع المصري.
وظهرت في الفيديو شابة جالسة على الأرض في حالة ذعر شديد، بينما يقدم “شيخ” على وضع أداة حديدية متوهجة كالجمر على لسانها 3 مرات متتالية.
جاءت الواقعة في إطار جلسة عرفية بمحافظة الإسماعيلية، التي تبعد عن القاهرة 127 كيلومتر شرقاً، للفصل في خصومة بين السيدة وزوجها الذي قال إنها لم تكن بكراً قبل زواجهما، واعتمد في ادعائه هذا على أنها حملت سريعاً.
وأخضعت المرأة لـ”البشعة” كي تثبت صدقها وزيف ادعاء زوجها، قبل أن ينفصلاً وتحتفي بتخلصها من زواج لم يدم سوى 15 يوماً.
لمشاهدة الفيديو اضغط على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/share/v/16tpHRe5wG/
ويعتقد من يمارسون ذلك الطقس أن النار تحرق لسان الكاذب، أما الصادق فلا يمسه سوء.
وفي البحث الذي أجرته “النهار”، تبين أن ثمة عدداً من المتخصصين يطلقون على أنفسهم وصف “شيوخ”، ولبعضهم صفحات يتابعها آلاف المعجبين بمواقع التواصل الاجتماعي.
واعتقد البعض أن تلك الممارسة لها أصل في الإسلام، بما أن من يطبقها يسمى “شيخاً”، غير أن دار الإفتاء المصرية سارعت إلى توضيح أن “البشعة” هي “ممارسة محرّمة شرعاً ومنافية لمقاصد الشريعة في صون الكرامة الإنسانية”.
الجذور المفقودة
تقول مديرة عام “أطلس المأثورات الشعبية المصرية” الدكتورة شيماء الصعيدي لـ”النهار” إن “جذور “البشعة” غير معروفة بالنسبة لنا كباحثين، وحين تتبعنا ظهورها بمصر، من خلال التقصي الميداني والروايات الشفهية، اكتشفنا أنها كانت تمارس على نطاق واسع لدى قبائل بدوية تعيش في جنوب سيناء”.
وأضافت: “انتقلت الممارسة من تلك المنطقة، الى أماكن أخرى، ومنها الإسماعيلية، وهي لا تمارس من أهالي المحافظة، بل من العشائر التي انتقلت للعيش بالمنطقة”.
ويسود تصور لدى كثيرين أن “البشعة” يمارسها غير المتعلمين فقط، غير أن الباحثة الأكاديمية، تقول أن “لا علاقة بالمستوى التعليمي، فـ”البشعة” ترتبط بمعتقدات لدى ممارسيها، يؤمنون بأنها وسيلة ناجعة لكشف الكذب والصدق”.
لا تفسير علمياً موثوقاً بالنسبة الى احتراق لسان شخص وسلامة آخر، لكن التصور السائد لدى ممارسي “البشعة”، هو أن الكذب يدفع الإنسان الى الشعور بالتوتر ما يجعل لسانه جافاً، لذا يحترق، أما الصادق فيكون لسانه رطباً وطبيعياً، مما يحميه من الاحتراق.
مديرة “أطلس” لديها وجهة نظر مغايرة، فهي ترى “أنهم يعتمدون على انهيار الشخص الكاذب من هول المشهد، فاسم “البشعة” جاء من البشاعة. تصوّر حديد متوهج حمرةً كالجمر، يقترب من وجه الإنسان. إنه شعور مرعب، وهذا يدفع الكاذب الى الانهيار والاعتراف خشية أن يحترق لسانه”.
جيوب الخرافة
أستاذ علم الاجتماع الدكتور سعيد صادق يرى أن تلك الممارسة كشفت أن مصر فيها الكثير من “الجيوب” التي تمارس فيها أشكال عدة من الخرافة، ومنها “البشعة”. ويفسر هذا في حديثه الى “النهار” أن “مرد ذلك هو التباين الكبير في المستويات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع المصري”.
ويضيف: “جيوب منعزلة يمارس بها السحر والشعوذة، وختان الإناث، وما إلى ذلك. للتعليم دور بالغ الأهمية في القضاء على الخرافات، فتربية الأطفال على الفكر النقدي، والبحث من أجل التحقق من صحة ما يسمعونه، يجعلهم محصنين من الخرافات والشائعات”.
ويشير إلى أن “من يمارسون تلك الخرافات، قد يكونون حاصلين على شهادات جامعية، ويستخدمون أحدث أدوات التكنولوجيا لنقلها، لذا فالمسألة ليست مرتبطة بالتعلم من أجل الحصول على مؤهل دراسي، ولكن طبيعة المناهج التعليمية التي تشكل الفكر وتحفز النقد وإعمال العقل في الأمور كافة”.
ظهور خافت
يلعب الفن والإعلام دوراً محورياً في مكافحة الظواهر المجتمعية الضارة، وقد ظهرت “البشعة” أو ذكر اسمها في عدد من الأعمال الفنية، كان آخر ها مسلسل “حق عرب” الذي عرض عام 2024، لكن المشهد -الذي ظهر فيه “عرب” (الفنان أحمد العوضي)- مر مرور الكرام.
وتقول الكاتبة والناقدة الفنية صفاء عبدالرازق لـ”النهار” إن “الأعمال الدرامية تعرض المجتمع كما هو، وليس من واجبها أن تتخذ موقفاً من كل ما تقدمه، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بمعتقد أو طقس ما”.
وتضيف: “قد يتفاعل الفن مع بعض القضايا، مثل الختان أو زواج القاصرات لأنها تضر بالمجتمع، أما ممارسة مثل “البشعة”، أو تجريح الوجه في أفريقيا، فإنها تعد طقوساً ترتبط بمعتقدات لدى الشعوب، لذا ينقلها العمل الفني كما هي من دون تدخل أو اتخاذ موقف منها”.
بالفيديو – “البشعة” طقس غرائبي يصدم المصريين ويلفت الى “جيوب الخرافة” .