كتبت “آرم نيوز”: تبدو الأزمة بين أوروبا وروسيا وكأنها دخلت مرحلة جديدة تختلف جذريًا عن سابقاتها، إذ لم تعد محصورة في تبادل التصريحات أو الضغوط الدبلوماسية، بل تحولت إلى سباق محتدم لرسم حدود النفوذ وتحديد مستقبل أمن القارة.
ورغم محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحقيق أي اختراق ملموس في مسار المفاوضات، فإن “كرة النار” تتدحرج مجددًا، مع اقتراب الطرفين من مواجهة مباشرة، أو على الأقل صدام قد يعيد رسم خريطة الأمن الأوروبي لعقود قادمة.
وخلال الأيام الماضية، تبادل قادة أوروبا وروسيا رسائل حادة تعكس عمق الهوة بين الطرفين، بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحذير قال فيه: “موسكو لن تقاتل أوروبا، لكن إذا اختارت أوروبا القتال فجأة، فنحن مستعدون الآن”.
وجاء هذا التحذير قبل ساعات من جولة محادثات استمرت خمس ساعات مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر ترامب، جاريد كوشنر.
وعلى الرغم من وصف المساعد الرئاسي يوري أوشاكوف للمحادثات بأنها “مفيدة وبنّاءة للغاية”، فإنه أقر بأن الطريق لا يزال طويلاً قبل التوصل إلى أي اتفاق.
ورغم تصريحات الرئيس بوتين، فإن توصيف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للموقف كان أكثر وضوحا؛ إذ أكدت أن موسكو لا تزال مصممة على إعادة رسم الخرائط واستعادة مناطق نفوذ فقدتها سابقا.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “نحن لا نريد سلاما يكون استسلاما”، داعيا مجددا إلى نشر قوات فرنسية وبريطانية وتركية في أوكرانيا بعد أي اتفاق محتمل، على أن تتمركز في كييف وأوديسا وغيرهما من المدن البعيدة عن خطوط المواجهة.
“تصعيد الأزمة”
وتعليقا على ذلك، قال مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات إبراهيم كابان، إن “روسيا تعمل على تصعيد الأزمة بهدف تحقيق مكاسب إضافية في أوكرانيا، وإن موسكو تدرك أن مجمل العمليات العسكرية تجري داخل الأراضي الأوكرانية؛ الأمر الذي يمنحها هامشا أوسع للمناورة”.
وأضاف كابان في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”، أن “روسيا تسعى للضغط على أوروبا كي تقدم بعض التنازلات، وأن أبرز هذه التنازلات يتمثل في إبعاد أوكرانيا عن حلف الناتو”.
وأشار إلى أن “روسيا تستهدف في الوقت نفسه البقاء في عدد من المناطق الإستراتيجية التي سيطرت عليها، ليس جميعها، وإنما تحديدا شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع في الشرق الأوكراني التي تضم جاليات روسية واسعة.
وأوضح كابان، أن “التعويل الروسي يقوم دائما على تنازلات أوروبية، إلا أن أوروبا باتت مدركة لهذه اللعبة، وتحاول بدورها التصعيد بوسائل مختلفة بهدف دفع روسيا إلى تقديم تنازلات مضادة”.
وقال إننا “نقف اليوم أمام مسارين محتملين: إما توسيع نطاق الحرب مستقبلا أو الانخراط في مسار تفاوضي، خاصة أن الولايات المتحدة ستكون الطرف الحاسم في أي مفاوضات بين الجانبين”.
وأضاف أن “أي تسوية محتملة ستكون على حساب أوكرانيا؛ لأن روسيا لن تنسحب بالكامل من الأراضي الأوكرانية، بل ترغب في الاحتفاظ بأجزاء منها لضمان نصيب سياسي وجغرافي يرضي موسكو، ويمكن أوروبا من مواصلة التواصل مع كييف”.
تصاعد التوتر
من جانبه، رأى مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية ديميتري بريجع، أن “التوتر بين روسيا والاتحاد الأوروبي مرشح للتصاعد، وأن هذا الارتفاع في حدة العلاقات سيستمر ما دام الاتحاد الأوروبي لا يتوافق مع السياسات الروسية”.
وأشار بريجع في تصريح لـ”إرم نيوز”، إلى أن “الاتحاد الأوروبي ما زال يراهن على دعم أوكرانيا وعلى إحداث تغيير في السياسات الروسية، بل وعلى تحويل روسيا إلى دولة تتبع المنظومة الأوروبية، كما كان مطروحا منذ تسعينيات القرن الماضي”.
ولفت إلى أن “مساعي دمج روسيا في الأسرة الأوروبية فشلت في عهد بوريس يلتسين، ثم خلال ولايتي فلاديمير بوتين الأولى والثانية، وكذلك خلال فترة دميتري مدفيديف، وصولا إلى التحول الكبير الذي أعقب ضم شبه جزيرة القرم”.
واعتبر بريجع، أن “هذه التجارب تكشف أن السياسة الروسية شهدت تحولات، لكن مفهومها الاستراتيجي لم يتغير منذ زمن الاتحاد السوفيتي، وأن موسكو لا تزال تسعى إلى تأمين بيئتها الاستراتيجية”.
وأوضح أن “الاتحاد الأوروبي يعتقد أن الهدوء ممكن، ولكن وفق الشروط الأوكرانية، وهو ما يرفضه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يسعى إلى تأمين أمن الشعب الروسي وإحداث تغييرات في النظام السياسي الأوكراني ودفع تحول سياسي أوسع”.
وأضاف بريجع، أن “روسيا تنتظر تغيّر السياسات الأوروبية وفشلها، فيما تترقب أوروبا بدورها حدوث تغييرات سياسية في الولايات المتحدة”، مشيرا إلى اعتقاد بعض الأوروبيين بأن أي تحول محتمل في واشنطن قد يدعم أوكرانيا أو يعزز السياسات الأوروبية الحالية؛ وهو ما وصفه بأنه غير دقيق.
وختم بالتأكيد، على أن “التنبؤ بمستقبل العلاقات الروسية–الأوروبية أمر بالغ الصعوبة في الوقت الراهن، خاصة أن الواضح حتى الآن هو أن هذه العلاقات لن تكون هادئة أو سهلة”.
روسيا وأوروبا على حافة الانفجار.. هل دخلت أزمة أوكرانيا مرحلة “اللاعودة”؟ .