تندرج خطوة تعيين الدبلوماسي السابق سيمون كرم كرئيس للوفد اللبناني المفاوض ضمن لجنة “الميكانيزم” ضمن سياق فصل المسارات بين الدولة و”حزب الله” وفق المعايير الموضوعة من قبل الفاعلين الخارجيين العرب والدوليين، وعلى رأسهم أميركا، وتجسد تحول الأخير من مفاوض يمسك بزمام المبادرة والقرار لحساب المشروع التوسعي الملالي إلى ورقة على الطاولة.
ومع ذلك، فإن القرار بتطوير مستوى التفاوض بمنحه طابعًا سياسيًا – دبلوماسيًا لا يعني انتفاء خطر ضربة إسرائيلية ساحقة على “الحزب”، إنما تجنيب لبنان دولة ومؤسسات، ولا سيما الجيش، عضوية بنك الأهداف، كما كانت تشير رياح التسريبات والضغوطات العابرة للحدود، ومنح الدولة مسافة أمان ضرورية. ويمكن تلمس مدى أهمية هذه الخطوة في المواقف الأميركية الإيجابية منها.
فرغم عدم وجود مشروع واضح أو محدد لأميركا في لبنان، إلا أنه يعد جزءًا أساسيًا ضمن رؤيتها لإعادة ترتيب أوراق المنطقة ومعادلاتها وتوازناتها، والتي ترتكز على تطهيرها من النفوذ الإيراني عبر مسارات متوازية من الضغوط السياسية والعسكرية والمالية، توظف فيها قوة البطش الإسرائيلية كـ “سيّاف” تفسح له المجال لإضعاف من تريد شطبه، وصولًا لإخراجه من معادلات النفوذ. وأي ضربة إسرائيلية لن تحصل إلا بموجب ضوء أخضر من واشنطن.
وفي هذا الإطار، تشير مصادر سياسية إلى أن أميركا وضعت “فيتو” على المبادرة المصرية، بما قاد إلى إفشالها، بسبب رفضها بحسم مبدأ “احتواء السلاح”، وإصرارها على تفكيك منظومة “الحزب” العسكرية ضمن قاعدة عريضة عنوانها “لا نفوذ إيرانيًا في لبنان”. ومع استمرارية المهلة الممنوحة من واشنطن للدولة من أجل تطبيق “حصرية السلاح” حتى آخر العام الجاري، وإزاء عدم اكتفائها بجنوب الليطاني وحده وبقاء جيوب مسلحة خارجه، وفي ظل استحالة التنفيذ الكامل في الأيام القليلة الباقية، يمسي سيناريو الضربة المغطاة أميركيًا أكثر حضورًا.
كذلك تكشف المصادر تصاعد سيناريو الضربة الساحقة لـ “الحزب” على وقع تعثر المفاوضات بين طهران وواشنطن بسبب رفض الحرس الثوري الشروط الأميركية التي تتمحور حول 3 عناصر رئيسية: نقل عمليات التخصيب إلى خارج الأراضي الإيرانية لتكون تحت إشراف كيان تشاركي يضم أميركا وبعض الدول الإقليمية والخليجية ويخضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بالإضافة إلى عدم تجاوز برنامج الصواريخ الباليستية المدى المحدد أميركيًا، وتفكيك منظومة وكلائها في المنطقة.
وفي هذا السياق، ليس تفصيلًا عابرًا قرار الحكومة العراقية بإدراج “حزب الله” و “الحوثيين” على لوائح الإرهاب. أما تراجعها عنه، فتبين المصادر احتمالية أن يكون تحت ضغط الحرس الثوري، خصوصًا أن “الحزب” أبدى ردة فعل سريعة وعاصفة على القرار، وإما أن يكون بغاية إيصال رسالة مغطاة إيرانيًا غايتها تحييد الساحة العراقية المتصلة بالأمن القومي للملالي.
في المقابل، تشير المصادر إلى وجود عرض على الطاولة لتكون سوريا الضلع الثاني في الكماشة الأميركية التي ستطبق على “الحزب” بموازاة “السيّاف” الإسرائيلي. لا يعني ذلك دخول قوات سورية إلى الأراضي اللبنانية، بل القيام بمناوشات حدودية تسهم في انكشاف ضعف “الحزب” الذي يحاول التستر عليه بخطاب هجومي ضد الجميع. فمهما بلغ هول الضربات الإسرائيلية، يمكنه المضي في دعايته المخادعة التي يدعي فيها ترميم القوة، لكن أي مناوشات سورية ستجعله أمام خيارين أحلاهما مر: إما عدم الرد وافتضاح انهيار قوته أمام حاضنته، وإما الرد والدخول في سيناريوات قد تحوله لهدف لـ “التحالف الدولي ضد الإرهاب”.
وإن كان لدى دمشق عدد لا يستهان به من الذرائع المنطقية للقبول بهذا الطرح، من استمرارية حمولات تهريب الأسلحة والألغام نحو “الحزب”، وخلاياه في العمق السوري، واحتضانه ضباط النظام المخلوع، فإن أهمها تحسين وضعيتها التفاوضية المعقدة مع إسرائيل، وتعزيز الضغط الأميركي على الأخيرة لصياغة اتفاق يمنح سوريا ما تريده.
حسب المصادر، فإن هذا الواقع أكثر من يعرفه هو الرئيس نبيه بري، والذي غدا عقب تغطيته تكليف السفير كرم في موقف حرج لم يخبره قبلًا. لكن الرجل الذي عركته السياسة ليس بالشخص الذي يمكنه رؤية إمبرطورية نفوذه تنهار بلا ردة فعل. لذا فإنه يحاول تسويق مبادرة لدى الفاعلين الخارجيين مفادها تأجيل الانتخابات لسنتين يعمل خلالها على ترتيب البيت الشيعي، مقابل عدم ترشحه، وتغيير تموضعه الوسطي بين “الحزب” والدولة، ليقترب من الأخيرة بشكل متدرّج وهادئ لتغطية قراراتها الصعبة وضبط الساحة الداخلية.
هل تشارك سوريا في الحرب على “الحزب”؟ .