إسرائيل والاقتصاد: فصلُ لبنان عن سوريا ومواجهةُ تركيا

جيش-لبنان-44

الإصرار الإسرائيلي على تسريب أخبار ومواقف عن بناء تعاون اقتصادي مع لبنان، له أهداف بعيدة المدى، ترتبط بتصور تل أبيب لإعادة رسم مناطق النفوذ في المنطقة. صحيح أن لبنان لا يوافق على المفاوضات الاقتصادية، ويحصر التفاوض بالجانب العسكري المرتبط بوقف الاعتداءات والانسحاب من الأراضي المحتلة، ولكن بالعودة إلى نظرية “إسرائيل العظمى” فإن تل أبيب تريد أن تكون صاحبة الدور والتأثير في اقتصادات المنطقة، ولا سيما خطوط التجارة. والأهم أن إسرائيل تسلك طريق المواجهة مع تركيا، وإن لم تكن هذه المواجهة عسكرية، لكنها ستكون مفتوحة بالمعاني الأمنية، السياسية، والاقتصادية. تنظر تل أبيب إلى أنقرة بقلق، خصوصاً أن الأخيرة تعرب عن استعدادها لنشر قوات في غزة، بالاضافة إلى دورها المتقدم في سوريا، مع احتمال التقدم في اتجاه نشر قوات تركية في جنوب لبنان ضمن أي قوة متعددة الجنسيات لاحقاً. وذلك تعارضه إسرائيل بقوة وتعبّر عن موقفها.

 

محاكاة “الهواجس” الطائفية

تسعى إسرائيل إلى إعادة إحياء تحالف دول شرق المتوسط، في مواجهة تركيا على مسار خطوط النفط والغاز. تريد أن تكون مرتكزاً لتصدير الغاز من شرق المتوسط نحو أوروبا. في حين أنَّ تركيا تعتبر نفسها الأكثر تأهيلاً لذلك، لا سيما أنها تمتلك أنبوباً نحو بلغاريا. وتعبّر إسرائيل عن خصومتها لتركيا التي يتنامى نفوذها في المنطقة، كما يعبّر المسؤولون الإسرائيليون عن عدم ثقتهم في الحكم السوري الجديد، ويواصلون محاولات إضعاف سوريا ومنع الاستقرار فيها وتغذية الصراعات الداخلية. لذلك فإن النظرة الإسرائيلية إلى لبنان هي أنه يجب أن يقع تحت نطاق نفوذها وتأثيرها، إما من الناحية العسكرية والأمنية أو من الناحية الاقتصادية، فهي لا تريد لسوريا أن تلعب لاحقاً أي دور مؤثر في لبنان، وحتماً لا تريد لتركيا ذلك. وهي في المرحلة المقبلة سترفع شعارات الدفاع عن الأقليات في مواجهة “التمدد السني” سواء كان هذا التمدد تركياً أم سورياً، في محاولة لمحاكاة هواجس الطوائف الأخرى سواء في لبنان أو في سوريا. 

تركيا على خط دمشق – الحزب

تأتي هذه التسريبات الإسرائيلية، بالتزامن مع مواصلة تل أبيب لضرباتها وضغوطها على حزب الله، ومحاولة الادعاء أنها تريد تقوية الدولة اللبنانية في مواجهة الحزب. في المقابل، تبرز تسريبات على الضفة الأخرى تشير إلى محاولة تركيا لعب دور في نقل رسائل طمأنة وتهدئة بين دمشق وحزب الله، وبالتنسيق مع إيران. هناك معلومات تحدثت عن تبادل رسائل عديدة وزيارات حصلت إلى تركيا لأجل طمأنة حزب الله في لبنان بأن سوريا لن تكون عنصر ضغط عليه ولن تخوض مواجهة معه، بينما يطلب الأتراك من الحزب والإيرانيين عدم التلاعب بالداخل السوري وعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها أن تتسبب باهتزاز الاستقرار، على قاعدة أن إضعاف الشرع لن تستفيد منه إيران بل إسرائيل في مشروعها لتطويق المنطقة. 

تركيا- السعودية- إيران

هنا تحاول إسرائيل اتهام تركيا بأنها تعمل على إعادة انشاء تحالف إسلامي سني شيعي لمواجهتها ومواجهة الأقليات. بينما هدفها الأساسي، هو قطع الطريق على أي تعاون استراتيجي على مستوى الدول الإقليمية في المنطقة، ولا سيما بين تركيا، إيران، والمملكة العربية السعودية، خصوصاً أن هناك تقاطعاً استراتيجياً بين السعودية وتركيا حول سوريا لحفظ الاستقرار ولجعلها “دولة مركز” في مجال التجارة، الزراعة، النقل، والنفط والغاز. ولذلك تتزايد التسريبات الإسرائيلية عن أن المفاوضات المقبلة مع لبنان ستشمل البحث في ملفات التجارة، الزراعة والنفط والغاز، خصوصاً أن إسرائيل تريد أن تستثمر بتفوقها الأمني والعسكري في الجنوب للتحكم بمسارات التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات اللبنانية، للتحكم لاحقاً في مسار استخراج الغاز وتصديره. 

ترسيم مع قبرص يقطع طريق تركيا

تريد إسرائيل أيضاً، الاستثمار في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، وهي التي تسعى لتكون الطرف الثالث ضمن هذا الاتفاق، ما دامت قد أنجزت سابقاً اتفاق ترسيم الحدود مع البلدين، وبذلك تسعى إلى قطع الطريق على تركيا في البحر الأبيض المتوسط. وتحاول تل أبيب إقناع الأميركيين بالوقوف إلى جانبها في هذا المشروع، كما تسعى إلى إقناع الأوروبيين الذين ليس من مصلحتهم أن يتوسع دور تركيا، أو أن يكون لروسيا وتركيا أي دور في لعبة الغاز شرق المتوسط، خصوصاً بعد الزيارة التي أجراها الشرع إلى روسيا وإبرام اتفاقات وتفاهمات تخص الساحل السوري والحفاظ على الاستثمارات الروسية هناك، بينما إسرائيل تحاول إقناع الأوروبيين والأميركيين بضرورة عدم منح تركيا وسوريا أي دور لأن روسيا ستكون مستفيدة. 

.. ومصر لها حساباتها

في هذا الإطار، لا يمكن إغفال محاولة مصر للعب دور في مسار التفاوض بين لبنان وإسرائيل لتجنب الحرب الإسرائيلية على لبنان، لكن القاهرة أيضاً، تريد أن تحفظ نفوذها في لبنان ما دامت ليست على علاقة جيدة في سوريا. وترفع القاهرة شعارات تطالب بحماية الأقليات من “نظام الشرع”. كما أن التنافس كان قائماً بين مصر وتركيا سابقاً، وهو سيستمر على الرغم من التنسيق في ملف غزة. فمصر كانت إحدى الدول الشريكة في تحالف دول شرق المتوسط الذي يهدف إلى تطويق تركيا. وأمام هذه الوقائع، فإن دولاً كثيرة تجد أن لبنان يمكنه أن يشكل ساحة أساسية للتصدي للنفوذ التركي الذي يقوم على تقاطعات في سوريا مع دول الخليج. كما أنه ليس من مصلحة مصر أن يحصل التحالف الاستراتيجي التركي السعودي في سوريا، والذي يشتمل على اتفاقات حول اعتماد طرق تجارية جديدة من خلال العودة إلى خط الحجاز القديم، لأن ذلك سيتسبب بالضرر على مصر بسبب الاستغناء عن قناة السويس والبحر الأحمر. والمجال السياسي الذي تصر إسرائيل على مناقشته مع لبنان، يهدف إلى فصله عن سوريا وعن تركيا. وأما في المجال الاقتصادي، فهي تريد أن تكون صاحبة الشراكة أو التأثير لاحقاً بما يتعلق بخطوط تصدير الغاز إلى أوروبا. 

إسرائيل والاقتصاد: فصلُ لبنان عن سوريا ومواجهةُ تركيا .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print