لبنان أمام استحقاق التّحرر من “الحزب “!

AFP__20251204__873Q4NQ__v1__MidRes__LebanonIsraelConflictUn_162021_large

بصرف النظر عن الهجمات الإسرائيلية، لن يتوقف التضييق على “حزب الله” على مختلف المستويات السياسية، الأمنية والمعنوية. فالحزب المذكور تحول مع الوقت إلى عبء لا يريد أحد في لبنان أن يتحمله لأي سبب من الأسباب، وهو ما يجعل من “حزب الله” حالة تحاذر المكوّنات اللبنانية الأخرى أن تخالطها، إلى حد أنه مع الوقت سيتحول التعامل معه صعباً لا بل مستحيلاً.

في هذا المناخ، يذهب لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل طابعها سياسي -أمني بهدف لملمة ما خلّفه “حزب الله” من خسائر بسبب خياراته السيئة، أكان في الداخل أم في الخارج. والمشكلة أن قيادة الحزب المذكور لا تعي حقيقة ما يفكر به الرأي العام الغالب في لبنان إزاء خطابه وأفعاله حتى بعد الحرب مع إسرائيل.

بالأمس استفاق اللبنانيون على خبر تصنيف العراق “حزب الله” منظمة إرهابية، قبل أن تعود الحكومة المنبثقة عن ميليشيات “الحشد الشعبي” لتلغي هذا التصنيف مبررة أنه حصل عن طريق الخطأ، فورد التصنيف ضمن لائحة قبل أن يتم تنقيحها. وتدل هذه الحادثة في مكان ما على أن ثمة شيئاً ما يتم التحضير له في العراق من أجل مزيد من التضييق على الحزب المذكور الذي بات محاصراً في العالم وفي لبنان أيضاً.

وثمة معلومات تشير إلى أن ضغوطاً غربية مستجدة تمارس على فرنسا من أجل وضع “حزب الله” على لائحة الإرهاب من دون التمييز بين “جناح سياسي” و”جناح عسكري” كما كانت الحال في السابق. وتعود هذه المحاولات التي نتحدث عنها إلى وجود قرار دولي وإقليمي كبير يقضي باستكمال تفكيك الحزب المذكور على مختلف الصعد، من أجل فتح الأبواب أمام لبنان لكي يتحرر من أثقال الحزب التي تراكمت إلى حد بعيد فحوّلت لبنان إلى دولة فاشلة بدأت تعاني عزلة عربية، ولا مبالاة دولية واضحتين.

في هذا الصدد، تمثل الخطوة الرسمية التي خطاها لبنان بدفع كبير من الرئيس جوزف عون محاولة جادة لنقل البلاد من معادلة الدولتين والجيشين والمرجعيتين التي فرضت باستخدام العنف مراراً ضد اللبنانيين المعارضين لهيمنة “حزب الله” من شتى المكوّنات، ومن ضمنها المكوّن الشيعي الذي عانى رموزه اضطهاداً سياسياً، أمنياً، اقتصادياً واجتماعياً. هذه الظاهرة بدأت بالتفكك والتلاشي التدريجي. فعندما يلمس المجتمع المحاصر من الحزب وماكيناته المؤثرة أن لبنان بتنوعه بدأ يخطو خطوات كبيرة في اتجاه التحرر من عقدة الخوف، وبالتالي التحرر من الهيمنة المادية والمعنوية، فإن المكوّن الشيعي اللبناني وهو مكوّن حيوي، ستتجه شريحة واسعة منه صوب بوابات الخروج من السجن الكبير الذي بدأ يتشقق ويتصدع بقوة اندفاع المكوّنات الأخرى الرافضة لهذه الظاهرة التي يمثلها “حزب الله” المرتبط بثقافة إيرانية اجتاحت طوال أربعة عقود الثقافة الشيعية اللبنانية المختلفة عنها، إلى حد أنها حوّلت شريحة من الطائفة إلى حالة غريبة عن بيئتها التقليدية، ثم اندفعت لتركيع بقية الشرائح بالاغتيالات والغزوات والتخادم بالفساد مع رموز الفساد في البيئات الأخرى.

إن لبنان يقف على عتبة تاريخ جديد يُكتب بحروف من الأمل، لا سيما أنه في كل يوم يمر تترسخ أكثر فأكثر فكرة الدولة كحل لكل اللبنانيين ليخرجوا من قوقعتهم المذهبية، بعدما غذاها الخوف من اجتياح “حزب الله” لحياتهم العامة والخاصة. ومن هنا فإننا أمام معادلة بسيطة مفادها أنه كلما قوي “حزب الله” ضعف لبنان، والعكس صحيح! فمشكلة الحزب المذكور تكمن في كونه يشكل بوجوده نقيض معنى لبنان الوطن المتنوع والدولة الموعودة التي يتوق إليها كل لبناني على اختلاف انتماءاته.

أمام لبنان مخاض طويل وعسير قبل أن يتخلص من الحالة الشاذة التي تحكمت به طوال الفترة الماضية. التحدي كبير لأنه أولاً أمني يتضمن أخطاراً جسيمة على المواطن اللبناني الحالم بدولة مساواة تحت سلطة القانون فوق الجميع. ولذلك نحن كلبنانيين لا نقبل المساومة في موضوع نزع السلاح غير الشرعي. ونعتبره شرطاً لازماً لانتزاع لبنان من القعر الذي بلغه تحت هيمنة “حزب الله”، والمتواطئين معه… وما أكثرهم في الوسط السياسي القابض على مقاليد السلطة في العقود الأربعة الماضية.

ثمة فرصة تاريخيّة لقيام لبنان جديد، وقد لا يكون بالضرورة ذا إطار مركزي. لكن الفرصة حقيقية مع تقويض هيمنة “حزب الله”. لذلك لا يجوز تفويت الفرصة، لأنها قد لا تتكرر أبداً.

لبنان أمام استحقاق التّحرر من “الحزب “! .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print