المفاوضات تمهّد الطريق للتدخّل الدولي المباشر

الميكانيزم

فشلت الدولة اللبنانية بعد عام على اتّفاق وقف النار مع إسرائيل، في تنفيذ ما تعهّدت به من سحب سلاح “حزب الله”. حتّى أنّها أعلنت تقريباً أنّ المهمّة تنتهي عند حدود نهر الليطاني، فيما السلاح شماله سيخضع لما سمّي “عملية احتواء”.

لذا، ارتفعت التهديدات الإسرائيلية من جديد بشنّ حرب واسعة أو ضربات كبيرة على لبنان، خصوصاً أن تقارير إسرائيلية، مدعّمة بتقارير أميركية، بدأت تتحدّث عن عودة “الحزب” إلى التسلّح والحصول على التمويل. وصارت كلّ الأجواء محضّرة لضربة إسرائيلية قرابة نهاية العام، وهي المهلة التي أعطتها واشنطن للبنان لإنهاء ملفّ السلاح.

ولكن، يبدو أنّه في الوقت الذي كانت فيه طبول الحرب تُقرع، كانت الاتّصالات الحثيثة جارية بقيادة الولايات المتّحدة، وبضغط دول إقليمية فاعلة، من أجل إدخال الطرفين اللبناني والإسرائيلي في مفاوضات تتخطّى الإطار العسكري، إلى إطار أكثر شمولاً.

وكان رئيس المجلس نبيه برّي في جوّ هذه الاتّصالات. لا بل كان نقطة الارتكاز التي تعوّل عليها الإدارة الأميركية، بدفع سعودي مباشر، كي يتلقّف المبادرة إلى التفاوض، التي سبق لرئيس الجمهورية جوزاف عون أن أعلن مرّات عدّة استعداد لبنان للدخول فيها.

ويشار إلى أنّ برّي كان أرسل معاونه النائب علي حسن خليل إلى إيران، في محاولة لإقناع المسؤولين الإيرانيين بتجنيب لبنان حرباً جديدة. لكن يبدو أنّه لم يكن هناك تجاوب مع هذا الطلب.

واليوم، مع إعلان لبنان المفاجئ أنّه سيتمثّل في لجنة الميكانيزم بمدني، هو السفير السابق سيمون كرم، وعقد الاجتماع الأول بحضوره وحضور ممثّل مدني إسرائيلي، بدا أنّ برّي، على خلاف مواقف “الحزب”، يبارك هذا التطوّر الجديد في آلية التفاوض. وقد أعلن رئيس الجمهورية أنّ القرار اتّخذ بالتشاور مع رئيس المجلس، وطبعاً مع رئيس الحكومة نوّاف سلام.

إذاً، تفيد الأجواء المحيطة ببرّي إلى الموافقة التامّة على التفاوض السياسي، وعلى اسم السفير كرم. فقد قرأ رئيس المجلس جيّداً الضغوط الأميركية والتهديدات الإسرائيلية. وعرف أن ليس هناك نيّة في إيران، ولا إرادة، لمساعدة لبنان في وجه الضربة الإسرائيلية المنتظرة. وهو قرأ أيضاً توجّهات المرجعية الشيعية في النجف العلامة علي السيستاني، الذي بعث برسالة إلى إيران، يحذّر فيها من تعرّض الشيعة في لبنان للحرب مرّة أخرى، وما قد يترتّب عليها من تهجير وتدهور أمني واجتماعي. وفي كلّ حال، لم يعد ممكناً لبرّي الوقوف في وجه الضغط الأميركي الكبير، وكلّ النصائح التي وصلت إلى لبنان، عبر مسؤولين دوليين وعرب، كان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي آخرهم، أفادت بأن التهديد بالحرب حقيقي، وأنّ أيّ ضربة جديدة ستكون أكثر قساوة، وربّما تطال مرافق للدولة اللبنانية، وأهدافاً لم تكن واردة سابقاً.

أمّا “الحزب”، وفي انتظار موقف أمينه العام نعيم قاسم الجمعة، فقد تحدّث عن “تنازلات بلا مقابل” تقدّمها الدولة، منتقداً تسمية سيمون كرم بالذات. ولكن “الحزب” نفسه سبق ووافق على التفاوض في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتمّ الاتّفاق حينها على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

لذلك، لا يُستبعد أن يوافق “الحزب” في شكل ضمني على التفاوض. وهو ربّما يعتقد أنّ في إمكانه تمرير المزيد من الوقت في المفاوضات، وتأخير أيّ حرب محتملة. ومن الطبيعي أن يرفع سقف شروطه. لكنّ إسرائيل في المقابل لن ترضى بأيّ تنازل، وسيكون من أوّل شروطها نزع سلاح “الحزب” في كلّ لبنان. وهي في الوقت نفسه لن توقف الضربات الحالية التي تقوم بها، كما تقول، من أجل منع “الحزب” من إعادة بناء نفسه والتسلّح، سواء من استهداف بنى تحتية أو بنى للإعمار أو الاغتيالات.

وثمّة من يرى أنّ إجراءات ستستهدف إيران بالتوازي. ونشير هنا إلى ما أورده موقع “العربية”، من أن الولايات المتّحدة نشرت طائرات مسيّرة في المنطقة، قادرة على ردع أيّ ردّ إيراني. فهل يشمل هذا الردع منع إيران من التدخّل في لبنان وعرقلة موضوع سحب السلاح؟ وهل تكون هذه الإجراءات كافية، في الوقت الذي تشير فيه معلومات إلى أنّ التحضير للتفاوض مع طهران قد نضُج؟

في أيّ حال، ها هي تجربة غزّة حاضرة، حيث ينصّ الاتّفاق في مرحلته الثانية على دخول قوّة دولية إلى القطاع تتولّى الأمن، وتشرف على نزع السلاح. فهل يكون الحل في التدخّل الدولي العسكري المباشر في لبنان لتنفيذ مهمّة سحب السلاح، حيث فشل الجيش اللبناني في ذلك؟

المفاوضات تمهّد الطريق للتدخّل الدولي المباشر .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print