معضلة الكهرباء: لبنان استهلك الفيول العراقي ونسيَ فواتيره

ACF114BE-C352-4B48-909A-D0604646E962.jpg

في زحمة الأحداث السياسية والأمنية، لا يلحظ اللبنانيون أنّهم اعتادوا ما لا يزيد عن 4 ساعات كهرباء تأتيهم من معامل مؤسسة كهرباء لبنان. وأعمق من ذلك، يغيب عن بالهم تفاصيل تأمين تلك الساعات عبر فيول آتٍ حصراً من العراق، وأخيراً عبر الفيول الكويتي.

لكن هذه التفاصيل ليست بسيطة، إذ تحمل في أبعادها مساراً غير آمن لإنتاج الكهرباء ولترتيب ديون على لبنان تشكِّل ثقلاً لا مفرّ منه للمالية العامة. وعليه، فإنّ شراء الفيول لإنتاج 4 ساعات لا يستر عورة الفيول التي كشفتها الدولة أمام العراق الذي أوقف ضمنياً توريد الفيول إلى لبنان، على أن يطالب باسترداد أمواله مستقبلاً.

 

مساعدة عراقية

تحت شعار مساعدة لبنان إثر أزمته الاقتصادية والمالية وانهيار سعر صرف الليرة، وافقت الحكومة العراقية بيع زيت الوقود للبنان، على أن يستبدله بفيول صالح لمعامل إنتاج الكهرباء. ووصلت أولى شحنات الفيول العراقي إلى لبنان في أيلول 2021، وتتالت الشحنات ومعها تجديد عقد التوريد بين بغداد وبيروت، فيما عدَّاد الفواتير يسجِّل قيمة الشحنات التي جرى الاتفاق بداية على سدادها للعراق على شكل خدمات زراعية وصحية وتربوية وغير ذلك، من دون أن يقدّم لبنان شيئاً يذكر. ولوقف استنزاف أمواله، وقَّعَ العراق عقداً ثانياً مع لبنان ينصّ على شراء الفيول والدفع نقداً، مع الاستمرار بمفاعيل العقد الأوّل.

على أنّه في غياب أي رؤية لكيفية دفع المستحقات، قرّر العراق وقف مفاعيل الاتفاق ضمنياً، بعدما كان يفترض بالتوريد أن يستمر حتى نهاية كانون الثاني 2026. ومع وقف التوريد، يسجّل العراق مستحقات بمليار و200 مليون دولار على لبنان، من أصل مليار 7 مليون دولار، دفع منها 500 مليون دولار في العام 2021.

مع ذلك “العراق لا يطالب بأمواله حالياً، وهم يساعدوننا بذلك”، وفق ما أكّده وزير الطاقة جو الصدّي الذي أشار في حديث لـ”المدن”، إلى أنّ “مفاعيل الاتفاق توقّفت ضمنياً عن طريق وقف العراق توريد الفيول، ولبنان لم يعد يستطيع ترتيب المزيد من الديون عبر الاستيراد وعدم الدفع”. لكن المساعدة لا تشمل التنازل عن المستحقات “ففي النهاية، العراقيون يريدون أموالهم”، بحسب الصدّي.

 

ساعات التغذية

لم تنتج مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 4 ساعات بالاعتماد على الفيول العراقي. واستمرّ الإنتاج على الوتيرة نفسها مع وصول أوّل ناقلة نفط حملت الفيول الكويتي، في آب الماضي، وذلك ضمن عرض كويتي تضمّن تزويد لبنان 132 ألف طن متري من وقود الغاز أويل، نصفها على شكل هبة. وأوضح الصدّي أنّ “كلفة هذا الفيول تدفعه مؤسسة كهرباء لبنان التي تستطيع حالياً تأمين كلفة الفيول لإنتاج بين 4 إلى 6 ساعات من الكهرباء. وإذا عالجت المؤسسة مشكلة التعديات، يمكنها زيادة ساعات الكهرباء“.

الإيجابية التي يُنظَر من خلالها إلى مالية مؤسسة الكهرباء القادرة على شراء كميات معيّنة من الفيول، يقابلها تشاؤم تحمله جملة من التساؤلات، أوّلها حول قدرة المؤسسة على الاستمرار بهذه الوتيرة من تحصيل الأموال لشراء الفيول. كما أنّ التخوّف يطال تأبيد هذه الساعات الأربع انطلاقاً من أنها إنجاز يحسب للمؤسسة بعد رفع التعرفة وتحسين مداخيلها.

بالتوازي، فإنّ الركون إلى إزالة التعديات وربط العملية بزيادة التغذية، هو أمر غير محسوم، إذ أشارت مصادر في مؤسسة الكهرباء إلى أنّ “إزالة التعديات، هو حلم بعيد المنال، لأنه مرتبط بطبيعة العلاقات بين بعض الأطراف الساسية وبيئتها الشعبية، فحماية التعديات هي جزء من العطاءات والمكرمات التي توظَّف انتخابياً من قِبَل تلك الأطراف، والسماح بنزعها يوحي للبيئة أنّ القوى السياسية فقدت قدرتها على الحماية وتقديم العطاءات“.

ولظروف موضوعية وأخرى قد تفرضها الأوضاع السياسية والأمنية، رأت المصادر أنّ “أفضل ما يمكن توقّعه في الظروف الراهنة، هو بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم الذهاب نحو خسارة الساعات التي تنتجها المؤسسة. فمع احتمال تصاعد الأوضاع الأمنية والذهاب نحو توسيع الضربات الإسرائيلية على لبنان، قد تتراجع قدرة المؤسسة على الجباية، ويترتّب عليها خسائر مالية إذا أحدثت الضربات الاسرائيلية أضراراً بالشبكة أو المحطات وصولاً إلى المعامل، أو غير ذلك“.

 

أموال على الخزينة

الإشكالية الأكبر بالنسبة للمصادر “ليست الساعات الأربع، بزيادة أو نقصان، بل هي الأموال التي يرتّبها قطاع الكهرباء على الدولة، وبعدم القدرة على الخروج من معضلة ربط الإنتاج بتأمين الفيول”. وبرأي المصادر “تنفض مؤسسة كهرباء لبنان يدها من أي التزام مالي لقاء تأمين الفيول، فهي لم تطلبه، بل ذهبت الدولة اللبنانية لشرائه عبر وزارة الطاقة، وهي ملزمة بسداد المستحقات من المالية العامة وليس من صندوق مؤسسة الكهرباء. أي أنّ الدولة رتّبت على نفسها أكثر من مليار دولار ليست بحوزتها ولا تستطيع دفعها، ولا تعترف بها مؤسسة الكهرباء”. والعراق بحسب المصادر “ليس جمعية خيرية، بل هو دولة تقوم على المؤسسات، وما يتم غضّ النظر عنه اليوم، لا يعني محوه من السجلات الرسمية، وبالتالي، إنّ عدم مطالبة العراق بديونه اليوم سيعقبها طلب لاسترداد الأموال مستقبلاً“.

لا فيول من العراق حالياً، ومؤسسة الكهرباء لديها مسارها الخاص لتأمين الفيول من ماليتها المعتمدة على الجباية. أمّا الحلّ المطروح من خارج الصندوق، أي محطّات الطاقة الشمسية التي أعاد الصدّي تحريك جمود ملفّها “فهي لا تزال مشروعاً لم يولد بعد ومن غير المتوقّع ولادته بوقت قصير، مع الأمل الدائم بأن ننتقل سريعاً للاعتماد على معامل الطاقة الشمسية والغاز. ولذلك، يبقى الفيول هو الركيزة الأساسية لتوليد الكهرباء، وتالياً يبقى اللبنانيون في المعضلة نفسها، أي كهرباء نادرة وحاجة متزايدة للأموال وخوف مستمر من العتمة التي لا يبدّدها سوى الفواتير المرتفعة للمولّدات الخاصة”.

معضلة الكهرباء: لبنان استهلك الفيول العراقي ونسيَ فواتيره .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print