تصريحات أدرعي: إخبار أم فتنة تستهدف الداخل اللبناني؟

1133421-2088080931

أعادت تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تفجير مرفأ بيروت للواجهة عبر سردية جديدة تتهم “الوحدة 121” في “حزب الله” بالتورط في تصفية أشخاص امتلكوا معلومات حساسة حول الانفجار، وتحدث أدرعي عن أربع حالات قتل ارتبطت بمسؤولين وخبراء وصحافيين حاولوا التحذير أو كشف ما جرى داخل المرفأ، وعلى رغم أن هذه المزاعم لم تثبت قضائياً لكنها كشفت أزمات أعمق مثل تعطيل التحقيق وغياب العدالة، وتحول “حزب الله” إلى سلطة فوق مؤسسات الدولة.

بعد أكثر من خمسة أعوام على تفجير مرفأ بيروت، تخرج الحقيقة أو ما يشبهها من جهة غير متوقعة، فبدلاً من أن يبدأ كشف الحقائق من قصر العدل أو من لجان التحقيق اللبنانية، برز المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي معلناً سلسلة من الوقائع التي قال إنها تكشف “الصندوق الأسود” لانفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020.

إفصاحات أدرعي لم تأت على شكل اتهامات عابرة في سياق الحرب النفسية بين إسرائيل و”حزب الله”، بل جاءت كملف متكامل يشمل أسماء وتواريخ ومسارات اغتيال وتصفية لجهات امتلكت معلومات كان يمكن أن تقود إلى الحقيقة، وركز المتحدث العسكري على وحدة خاصة داخل “حزب الله” هي “الوحدة 121″، قائلاً إنها كانت الذراع المنفذة لإسكات الشهود ومنع تسرب الأدلة.

وقدّم أدرعي قائمة بأربعة أشخاص قال إنهم اغتيلوا بسبب امتلاكهم معلومات حساسة حول المرفأ، وهم رئيس وحدة مكافحة التهريب في الجمارك اللبنانية ورئيس الجمارك في مرفأ بيروت العقيد جوزيف سكاف والمصور جو بجاني الذي كان من أوائل من وثقوا موقع الانفجار، وتشير معلومات إلى أنه صور شخصيات أمنية من الحزب حضرت بعد الانفجار لإخفاء الأدلة، والصحافي لقمان سليم الذي ربط علناً بين شحنات النيترات المضبوطة في ألمانيا وقبرص وبين ما جرى في فرضية “النيترات العابرة للحدود”، إضافة إلى العميد منير أبو رجيلي الذي قُتل في ظروف غامضة بعد أعوام من عمله داخل المرفأ، ويؤكد أدرعي أن التحقيقات في هذه الجرائم توقفت لأنها وفق زعمه مرتبطة مباشرة بـ “حزب الله”.

وعلى رغم أن هذه الاتهامات لم تثبت قضائياً في لبنان لكنها تفتح مجدداً ملفات الأمن السياسي في لبنان، وتعري دور الأجهزة الفاعلة داخل النظام، وتشير إلى وجود “دولة ظل” تتحرك فوق القانون وخارج المؤسسات، وتطرح سؤالاً وجودياً حول من هو صاحب القرار في لبنان؟ ومن يستطيع الوصول إلى الحقيقة في بلد تتنازع فيه القوى على كل شيء، حتى على دماء الضحايا؟

ما أعلنه أدرعي يعيد أيضاً تسليط الضوء على مسلسل الاغتيالات الذي بدأ منذ انسحاب الجيش السوري عام 2005، وامتد ليشمل شخصيات سياسية وصحافية وأمنية، وبحسب أدرعي فإن “لبنانيين قتلوا لأنهم عرفوا أكثر مما ينبغي حول المرفأ والنيترات وشبكات التهريب”.

أربعة أشخاص قُتلوا لامتلاكهم معلومات حساسة عن المرفأ والنيترات بعد الانفجار (وسائل التواصل)

والصدمة في لبنان لم تكن سياسية وحسب بل اجتماعية وحقوقية أيضاً، فوفق أهالي الضحايا أن المفارقة الأكثر إيلاماً هي أن ما عجزت الدولة اللبنانية عن كشفه خلال خمسة أعوام يقال اليوم بصوت عال من الخارج، وهنا يعود السؤال الذي بقي بلا جواب: لماذا جرى تعطيل التحقيقات؟ ومن يملك القدرة على كتم الحقيقة بينما ملف المرفأ يغرق في دهاليز القضاة والدعاوى والضغوط؟

ترى أوساط قانونية وحقوقية أن “حزب الله” تحول خلال الأعوام الأخيرة إلى سلطة أمنية موازية تتحكم بمسار التحقيقات الحساسة، بما فيها ملف المرفأ، وبالتالي فإن ما كشفه أدرعي يضع الحزب أمام مأزق لا يمكن تجاهله، لأن الاتهامات التي بقيت لأعوام همساً في الكواليس صارت اليوم مادة علنية تضرب صورة الحزب في الداخل والخارج.

إشكال قضائي عميق

مصدر قضائي لبناني رفيع رفض الكشف عن اسمه، أكد أن ما يجري اليوم يمثل “أخطر اختبار تتعرض له العدالة اللبنانية منذ انفجار مرفأ بيروت”، وأوضح أن المعلومات التي نشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، بصرف النظر عن خلفياتها السياسية والأمنية، وضعت القضاء أمام معادلة شديدة التعقيد، فهل يمكن التعامل مع هذه الإفصاحات باعتبارها إخباراً رسمياً؟ أم يجب تجاهلها لأنها صادرة عن جهة معادية؟ وهذا السؤال، وفق المصدر، ليس تقنياً فقط بل قانوني وسياسي في آن.

المصدر يشير إلى أن الإشكال الحقيقي الذي يواجه القضاء لا يتعلق بمضمون ما كشفه أدرعي بل بتوقيته وطريقة ظهوره، فقبل أعوام كانت المحاولات تهدف إلى عرقلة التحقيق ومنع استجواب شخصيات سياسية أو أمنية بارزة، لكن اليوم يقول المصدر “نحن أمام معلومات خرجت إلى العلن بإشارة من دولة عدوة، وهذا يحرج القضاء والدولة معاً”، مضيفاً أن هذه المعطيات جاءت في وقت دقيق تزامناً مع مناخ تهدئة نسبي شهدته البلاد عقب زيارة البابا، مما زاد وقعها في الشارع اللبناني.

ويقول المصدر إن إحراج الدولة اللبنانية ليس سياسياً وحسب بل مؤسساتي أيضاً، فوفق تعبيره أن “ما أدلى به المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أحرج الدولة اللبنانية الرسمية بما لا يقبل الشك، لأن كثيراً من اللبنانيين يعتبرون هذه المعلومات تتمتع بصدقية، في حين أن المنطق القانوني لا يستطيع القبول بها كما هي”، فالقضاء أمام معضلة واضحة، وإذا تحرك بناء على هذه المعلومات فسيتهم بأنه يستجيب لتسريب صادر عن إسرائيل، وإذا لم يتحرك فسيفقد ما بقي من ثقة الرأي العام بأجهزته.

ويتابع المصدر قائلاً إن “حزب الله”، بوصفه الجهة المتهمة بصورة غير مباشرة في هذه القضايا، يمارس ضغوطاً واضحة على الجهاز القضائي، ويصف ما يجري بـ “التهويل الإعلامي فقط”، ومع ذلك يقر المصدر بأن هناك “صدمة حقيقية داخل الوسط القضائي” حول كيفية التعامل مع إفصاحات بهذا الحجم في المرحلة المقبلة، وبالنسبة إليه فالأزمة ليست فقط في ما قيل بل في سؤال أبعد وهو من يملك حق الوصول إلى الحقيقة في لبنان؟ القضاء أم القوى السياسية؟ وهذا برأي المصدر هو السؤال الذي سيحدد مستقبل ملف المرفأ وكل الملفات المرتبطة به.

تورط “حزب الله”

ومنذ انسحاب الجيش السوري في أبريل (نيسان) 2005 دخل لبنان مرحلة أمنية وسياسية شديدة التعقيد، ويعتبر تقرير صادر عن “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) “أن تلك اللحظة خلقت فراغاً أمنياً ملأه “حزب الله” تدريجاً، مستفيداً من القوة العسكرية التي راكمها بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، ومع ذلك تزامنت تلك المرحلة مع موجة اغتيالات غير مسبوقة طاولت معارضين لسوريا والحزب، ولاحقاً ظهرت إشارات دولية لوحدة سرية داخل “حزب الله” تُعرف باسم “الوحدة 121”.

تقرير لـ “مشروع مكافحة التطرف”(Counter Extremism Project)  ذكر أن سليم عياش، المدان دولياً باغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان يقود فريق الاغتيالات في هذه الوحدة، وذهب “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” إلى الربط بين “الوحدة 121” وسلسلة اغتيالات سياسية داخل لبنان، وصحيح أن المحكمة الدولية لم تذكر الوحدة بالاسم لكنها اتهمت أفراداً مرتبطين بها، في إشارة إلى وجود هيكل اغتيالات منظمة داخل الحزب.

وتتهم التقارير الأميركية والإسرائيلية الوحدة نفسها بالوقوف خلف سلسلة تصفيات لشخصيات لها علاقة مباشرة بملف المرفأ، وقد رُصدت مكافأة أميركية بقيمة 10 ملايين دولار في مقابل معلومات تؤدي إلى توقيف سليم عياش، أحد أبرز القادة الأمنيين في الحزب.

واللافت أن مصادر أمنية ألمانية وبريطانية كشفت عام 2020 عن العثور على مخازن نيترات تابعة لـ “حزب الله” داخل أراضيها، بحسب تقارير نشرت في “The Guardian” و”Counter Extremism Project”، وهو ما يعزز فرضية أن النيترات في لبنان لم تكن مصادفة، بل جزء من شبكة عابرة للحدود.

قضية منسية

القصة لم تبدأ في الرابع من أغسطس 2020، فالبداية كانت عام 2013 عندما وصلت سفينة “روسوس” وعلى متنها 2750 طناً من نيترات الأمونيوم إلى العنبر رقم 12، وكشف تقرير “هيومن رايتس ووتش” في أغسطس 2021 عن أن مسؤولين سياسيين وأمنيين لبنانيين، بينهم شخصيات مرتبطة بـ”حزب الله”، علموا بمحتوى الشحنة وخطورتها، لكنهم تركوها أعواماً على رغم التحذيرات الرسمية.

ومن أبرز من دق ناقوس الخطر كان مسؤول التفتيش الجمركي جوزيف سكاف الذي أرسل كتباً رسمية تنبه إلى الكارثة المحتملة، وبعد أسابيع توفي سكاف في حادثة وصفها أهله بأنها اغتيال، فيما صنفتها الدولة “سقوطاً من علو”، والتقرير نفسه ذكر اسمه تحديداً كأحد الذين حاولوا منع الكارثة.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020 وُجد منير أبو رجيلي مقتولاً في منزله بضربة على الرأس، ولم يصدر أي تحقيق رسمي يكشف ملابسات مقتله حتى اليوم، وتضيف مؤسسة “تشاتام هاوس” أن إدارة المرفأ منذ التسعينيات كانت بيد “لجنة موقتة” خارج الرقابة الحكومية، الأمر الذي حول المرفأ إلى منطقة نفوذ حزبي استخدمها “حزب الله” لتمرير شحناته، وأيضاً ذكرت “Freedom House” أن الحزب يفرض نفوذاً على مطار بيروت والمعابر الحدودية عبر شخصيات مثل وفيق صفا الذي فرضت عليه واشنطن عقوبات عام 2019 بتهمة استخدام المرافق العامة للتهريب، وهنا تتضح المعضلة الكبرى وهي أن القضية ليست فقط وجود “نيترات خطرة” بل وجود “نظام كامل يحمي المتورطين ويمنع أي قاض أو خبير من الاقتراب من الحقيقة”، بحسب قانونيين.

تعطيل وتحقيق

بعد الانفجار عُين القاضي فادي صوان لكنه أُقيل بعدما استدعى وزراء ومسؤولين سياسيين، وجاء بعده القاضي طارق البيطار الذي حاول مساءلة مسؤولين بارزين بينهم نواب ووزراء محسوبون على “حزب الله” و”حركة أمل”، وعندها بدأت مرحلة الضغط العلني وغير المسبوق، وقد هاجم الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله البيطار مباشرة في خطاب متلفز، فيما كشفت “فرانس 24″ و”رويترز” عن مصادر قضائية تؤكد أن مسؤول الأمن في الحزب وفيق صفا هدد البيطار قائلاً “إذا لم ينجح المسار القانوني فسنزيحك بالقوة”، وهذه العبارة التي وثقتها أيضاً منصة “Fanack” ليست تهويلاً بل إعلان نوايا صريح لإسكات التحقيق، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 انفجرت الأوضاع في الشارع خلال أحداث منطقة الطيونة بعد تظاهرات طالبت بتنحية البيطار، ومنذ نهاية العام نفسه تجمد التحقيق تماماً بفعل سيل من الدعاوى القانونية والشروط السياسية.

فتنة إعلامية

وفي السياق أشار الكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية والأكاديمي قاسم قصير إلى أن المناخ الإيجابي الذي ساد لبنان خلال زيارة البابا، وما رافقها من تعاطف وتهدئة نادرة في البلاد، لم يدم طويلاً، فوفق قصير برزت خلال الساعات الأخيرة مؤشرات على محاولات لإعادة فتح ملفات قديمة وإحياء توترات سابقة كجزء من حملة تستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي وإشاعة الفتنة، ويعتبر قصير أن ما يصدر من تصريحات من جانب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يدخل في هذا الإطار، واصفاً الأمر بأنه محاولات مكشوفة لإثارة الفتنة في لبنان عبر استحضار ملفات غير محسومة.

ويقول إن هذه الاتهامات لا تستند إلى أية معلومات صحيحة، ورأى أن إسرائيل “بعد فشلها سابقاً في زعزعة النسيج الداخلي اللبناني تحاول اليوم استغلال أي ظرف لإعادة توتير الساحة اللبنانية وإثارة الانقسام من دون تقديم أية أدلة أو معطيات حقيقية”، لافتاً إلى أن التحركات الإعلامية التي كانت تدار في مراحل سابقة من خلف الستار أصبحت اليوم أكثر علانية، بهدف الاستثمار في أي شرخ يمكن أن يُضعف المشهد الداخلي أو يحرف الأنظار عن الظروف السياسية الحساسة، مضيفاً أن خطورة هذه السرديات تكمن في توقيتها، ففي لحظة بدا فيها اللبنانيون بحاجة إلى هدنة سياسية ونفسية بعد وصول البابا وما حمله من رسائل سلام، تُطرح مواد مثيرة تعيد فتح جروح قديمة وتعزز خطاب الشك والاتهام، ليخلص إلى القول إن مواجهة هذه المحاولات تتطلب وعياً داخلياً ومسؤولية وطنية، لأن إعادة تدوير الاتهامات غير المبنية على أدلة، وفي هذا التوقيت تحديدًا، تهدد المشهد السياسي برمته ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التجاذبات الحادة.

حرب نفسية

من جانبه ذكر العميد المتقاعد جوني خلف أن تصريحات المتحدث الإسرائيلي أفيخاي أدرعي لم تقدم أية معطيات جديدة على المستوى المعلوماتي، بل أعادت للواجهة سرديات سبق طرحها إعلامياً عقب انفجار مرفأ بيروت، ويقول خلف إن أصابع الاتهام في تلك المرحلة كانت تشير إلى تورط جهات مرتبطة بـ “حزب الله”، ولا سيما بعد مقتل أربعة أشخاص اطلعوا على معلومات مرتبطة بما جرى خلال الساعات والأيام التي تلت الانفجار، ويرى أن هذه الوقائع سبق أن ظهرت ضمن مسار التحقيق العدلي، غير أن طبيعة الأزمة السياسية حالت دون استكمال التعمق فيها لاحقاً.

ووصف هذه التصريحات بأنها جزء من “حرب نفسية” تهدف إلى إثارة الرأي العام اللبناني من جديد، من دون أن تحمل مضموناً جديداً يستدعي إعادة فتح الملفات قضائياً، مضيفاً أن التجييش الإعلامي الأخير أسهم في خلق حال من التوتر لدى عدد من أهالي الضحايا، خصوصاً أن ما جرى تزامن مع زيارة البابا إلى لبنان وما رافقها من أجواء روحية وإنسانية خففت نسبياً من وطأة الملف.

وأشار خلف إلى أن توقيت هذه المواقف ليس بريئاً، إذ يأتي في لحظة حساسة مرتبطة بمسار التحقيق العدلي المتعثر في انفجار المرفأ، وبينما لم تتخذ الدولة أي قرار واضح في شأن مستقبل التحقيقات، يُعاد طرح الاتهامات من خارج المؤسسات الرسمية مما يعيد إشعال الجدل داخل الأوساط السياسية والشعبية.

ويرى خلف أن ما يجري لا يتعدى “إعادة تدوير السجالات نفسها” من دون أي وثائق أو مستندات حقيقية تدعمها، وأن الهدف الأساس هو التأثير في الرأي العام وليس كشف الحقيقة، وفي ختام حديثه أكد أن الحل الوحيد يتمثل في استئناف التحقيقات من قبل القضاء اللبناني نفسه، بدل ترك الملفات عرضة للتجاذب الإعلامي والسياسي.

غياب عدالة قضائية

بدوره أكد المفوض السابق لدى المحكمة العسكرية في بيروت القاضي بيتر جرمانوس أن ما نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول الاغتيالات التي ارتبطت بأشخاص امتلكوا معلومات حساسة عن انفجار مرفأ بيروت، “لا يؤثر فعلياً في جوهر الملفات القضائية”، لكنه يعيد طرح سؤال كبير وهو لماذا لم تُكشف هذه الجرائم داخل لبنان؟ ويشير جرمانوس إلى أنه ليس سراً أن الدولة خلال مرحلة رئاسة ميشال عون وما رافقها من تحالفات داخلية كانت أقرب إلى الموقف الذي يراعي مصلحة “حزب الله”، بما في ذلك المؤسسات الأمنية والقضائية.

ويذهب أبعد من ذلك مؤكداً أن السؤال الحقيقي ليس في صحة الاتهامات أو مصدرها، بل في غياب أي تحرك قضائي جدي خلال تلك الفترة تجاه الجرائم السياسية، ويشرح أن القضايا من هذا النوع عادة ما يجري كشف مرتكبيها بسرعة نظراً إلى حساسيتها الأمنية والسياسية، لكن ما جرى في لبنان كان العكس تماماً، فجرائم اغتيال تنفذ في وضح النهار وتقيد ضد مجهول من دون تفسير أو نتائج.

ويعتبر القاضي أن غياب المحاسبة يعكس “خللاً بنيوياً” في أجهزة الدولة القضائية والأمنية، وصولاً إلى مستوى “الدولة العميقة” التي تخضع لمنطق النفوذ السياسي، على حد قوله، ويرى جرمانوس أن المفارقة الأساس اليوم هي أن المعلومات التي يفترض أن تكون في حوزة القضاء اللبناني تأتي من الخارج “بصورة تسريب أو إعلان إعلامي”، مما يطرح إشكالات قانونية وأخلاقية، فهل يمكن للقضاء أن يتعامل مع ما يُنشر باعتباره إخباراً للنيابة العامة؟ أم أنه يجب تجاهله لأنه صادر عن جهة معادية؟ وبالنسبة إلى جرمانوس فإن ما يجري اليوم يضع القضاء أمام اختبار مصيري، إذ إن التعامل مع المعلومات وفق معايير مزدوجة قد يعمق الانقسام، فيما المطلوب هو تحقيق مستقل وشفاف يعيد الثقة للبنانيين، ويعيد إحياء مفهوم العدالة داخل الدولة.

تصريحات أدرعي: إخبار أم فتنة تستهدف الداخل اللبناني؟ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print