مخطئ من يعتقد أن زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر للبنان كنسية رعوية حصراً، ومخطئ جداً من يعتبرها مجرد دعم معنوي لوطن الرسالة والعيش المشترك فقط. أبعاد الزيارة على أهميتها وسموها تخطت كل ذلك بأشواط. فمجيء رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم في لحظة يرتسم فيها مصير المنطقة ولبنان معطوفاً على هجرة مسيحية غير مسبوقة وإصرار أميركي على استكمال الاتفاقيات الابراهيمية تحت طائلة الانضمام القسري اليها باستخدام القوة، ليس صدفة، ولا تلبية لدعوة وجهها اليه الرئيس جوزاف عون. هي أبعد من ذلك وأكثر.
20 شخصية رافقت الحبر الاعظم في زيارته لبيروت ابرزها الكاردينال بيترو بارولين، أمين سر دولة الفاتيكان، المطران بول ريتشارد غالاغر، سكرتير العلاقات مع الدول والمنظمات الدولية والكاردينال كلاوديو غوجيروتي، رئيس مجمع الكنائس الشرقية، شأن رأت فيه مصادر سياسية مطلعة ما يكفي ويزيد لإضفاء الطابع السياسي على الزيارة، خصوصاً ان لقاءات عدة عُقدت مع بعض القوى السياسية بعيداً من الاضواء، كما اعلن البابا من على متن الطائرة موضحًا أن “الكنيسة قدّمت اقتراحًا يدعو الحزب إلى ترك السلاح والسعي نحو الحوار”، مضيفًا أن “اللقاءات السياسية التي جرت خلال الزيارة كانت بعيدة من الأضواء، وتركزت على تهدئة النزاعات الداخلية والإقليمية”. وأكّد عزمه على “الاستمرار في مساعي إقناع مختلف الأطراف اللبنانية بالتخلي عن السلاح والعنف، والانخراط في حوار بنّاء يحقق مصلحة لبنان وشعبه”.
مع دق ناقوس الخطر، أكد البابا لمن التقاهم من المسؤولين السياسيين مع اعضاء الوفد المرافق، أن ساعة السلام دقّت، ولا يجوز أن يبقى لبنان خارجها، تقول المصادر لـ”المركزية”، وما ان غادرت طائرة قداسته اجواء لبنان، تسارعت وتيرة الاتصالات بين المقار السياسية وتواصلت اليوم واثمرت اعلان قصر بعبدا عن قرار “رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعد التنسيق والتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، تكليف السفير السابق المحامي سيمون كرم، ترؤس الوفد اللبناني إلى اجتماعات اللجنة التقنية العسكرية للبنان”.
هي اللبنة الاولى في مسار إبعاد شبح الهجمات الاسرائيلية عن لبنان أو فرملتها راهناً على الاقل، كخطوة اولى في مسار السلام المنشود وقد أشّر إليه الرئيس عون خلال استقباله البابا، باستخدامه عبارة “أبناء إبراهيم”، حين قال: “لبنان يمثل شرطاً لقيام السلام والمصالحة بين أبناء إبراهيم كافة”، ولو ان البعض حمّل العبارة اكثر مما تحتمل بربطها بالاتفاقات الابراهيمية البعيدة نسبياً وزمنياً راهناً عن لبنان. وما اختيار شخص السفير كرم بمواقفه المعروفة والمعهودة، الا الدليل الى الرغبة الجدية بترجمة نصائح وارشادات الحبر الاعظم وبداية الغيث لبنانياً من التفاوض وفاتيكانياً من تكثيف الاتصالات.
زيارة البابا سياسيّة بامتياز… وترجمة عمليّة فوريّة .