الجيش و”حصر السلاح”: المشكلة بالمعدّات أم بالقرار السياسي؟

image-1764579320.jpg

يحتدم الجدل في الوسط السياسي اللبناني حول ما يعيق تنفيذ خطة الجيش اللبناني التي تقضي بحصر السلاح بحزم ووضوح: هل هو نقص المعدات العسكرية أم غياب القرار السياسي للحكومة اللبنانية؟ ويبدو أن هذا الجدل لن ينتهي قريباً، إذ يتسابق عاملان: قدرة الجيش على تنفيذ خطته ونزع السلاح من جهة، والحرب الإسرائيلية التي تلوح في الأفق مُهدّدة “الحزب” بفتح أبواب جهنّم من جهة أخرى. فماذا يجري داخل الدولة اللبنانية؟ ولماذا لم تُرضِ عمليات الجيش اللبناني جنوب الليطاني إسرائيل؟

حمادة: الجيش ومحاولة شراء الوقت

يقرّ الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية، العميد المتقاعد خالد حمادة، بأن حاجة الجيش إلى العتاد والأسلحة والذخائر مطلب مزمن، وقد أصبحت هذه الحاجة أساسية لمتابعة مهمة حصر السلاح جنوب الليطاني وشماله. لكن ما يدعو إلى التساؤل هو أنه عندما وضع الجيش خطته استجابة لقرار الحكومة اللبنانية في 5 و7 آب، لماذا لم تُذكر هذه المطالب، كالحاجة إلى معدات إضافية أو تجهيزات معيّنة؟

وكان رئيس الجمهورية جوزاف عون قد أشار مؤخراً، في خطاب لمناسبة عيد الاستقلال، إلى حاجة الجيش إلى معدات لمتابعة مهمته في إطار خطة النقاط الخمس التي طرحها كمبادرة للتفاوض. لكن حمادة يرى أن الجيوش والحكومات عندما تضع الخطط يجب أن تلحظ حاجاتها لتنفيذها، لذلك يبدو هذا الطلب وكأنه محاولة لشراء الوقت. وهذا ما كشف الفارق بين موقفين لبنانيين: الأول يمثّله رئيس الحكومة نواف سلام، وهو يتطابق مع خطاب القسم والبيان الوزاري، ويعتبر أن الحكومة ملزمة بنزع السلاح في كل لبنان؛ والثاني يمثّله الرئيسان عون وبري، وهو قريب جداً من موقف “حزب الله”، إذ يكتفي بحصر السلاح في جنوب الليطاني فقط. وهنا يظهر الفارق الكبير بين الموقفين.

ويلفت حمادة إلى فارق آخر بين أداء الدولة اللبنانية في مسألة حصر السلاح، وما يريده المجتمع الدولي. فالتركيز على حاجة الجيش إلى معدات هو، برأيه، جواب موجّه للمجتمع الدولي بأن المؤسسة العسكرية غير قادرة على تنفيذ مهمة حصر السلاح، وهذا الوضع يشكّل خطراً كبيراً على لبنان.

فماذا حقّق الجيش حتى الآن؟
يجيب حمادة: “قدّم الجيش تقريرين، آخرهما في 5 تشرين الثاني الفائت، شرح فيهما ما قام به جنوب الليطاني. لكن حول التقريرين أُثيرت مسائل عدة: أولها أن الجيش لم يذكر المناطق الجغرافية والأقضية التي نُزع منها السلاح، وهذا نوع من الضبابية التي تشوب التقارير، لأن الأمر يبقى ناقصاً إذا لم نصل تدريجياً إلى تحديد المناطق التي باتت تحت سيطرة الدولة بالكامل من دون أي سلاح غير شرعي، وهو ما لم يتحقّق حتى الآن. أما المسألة الثانية فتتعلق بما قاله قائد الجيش رودولف هيكل، بأن الجيش سيكون مسيطراً على جنوب الليطاني مع نهاية تشرين الثاني الفائت. نحن بانتظار ذلك، لكن حتى لو تضمّن التقرير المقبل كلاماً واضحاً، فلن يكون كافياً، إذ يجب أن يصدر إعلان رسمي من الدولة اللبنانية بأن العمل العسكري لـِ “الحزب” انتهى، وأن جناحه العسكري لم يعد قائماً. وربما من الأفضل أن يعلن “الحزب” حلّ جناحه العسكري، لكن هذا يبدو غير متاح، لأن المطلوب أولاً نزع سلاح الحزب في كل لبنان، والتزامه بقرار الحكومة، وهو ما لم يحصل؛ إذ يصرّ الحزب على الاستثناء، وأن يقتصر تسليمه سلاحه ومواقعه على جنوب الليطاني فقط“.

أما في شمال الليطاني، فيرى حمادة أن مهمة الجيش شبه مستحيلة، لأن الجيش لم يُحدّد لنفسه مهمة هناك؛ بل تحدث فقط عن “استيعاب” سلاح قد يُحرّك، وهذا يتوافق مع موقف رئيس الجمهورية والخطة الخماسية التي أعلنها، وهنا يكمن المأزق.

لا شك أن انسداد الأفق يُظهر أن الحكم في لبنان منقسم على نفسه، وفق حمادة، بين جهة تريد نزع السلاح من كل لبنان، وجهة أخرى ترى أن المهمة تقتصر على جنوب الليطاني فقط. وقد أدى هذا الانقسام إلى التطور الأخير عندما قصفت إسرائيل الضاحية الجنوبية واغتالت الرجل الثاني في “الحزب”، والتي سبقها إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، وتوجيه رسائل أميركية إلى الرئيس عون بضرورة تغيير قائد الجيش.

من الواضح أن العلاقة بين واشنطن والرئاسة اللبنانية تمر بمرحلة صعبة، بالرغم من كلام الرئيس دونالد ترامب عن عزمه دعوة عون إلى البيت الأبيض. ويؤكّد حمادة أن هذه المسألة لا مخارج لها حالياً، لذلك تعتبر إسرائيل أن العمل العسكري الإسرائيلي هو الوسيلة الوحيدة للانتقال من هذا الواقع السياسي إلى آخر، وهذا ما تعكسه التصريحات الإسرائيلية عن احتمال قيام عملية عسكرية لإلزام  الحزب  بتوقيع اتفاق جديد أو دفع الاتفاق السابق إلى مسار تنفيذ أكثر جدية.

مصادر القوات: الحرب حتمية

أما مصادر “القوات اللبنانية”، فلا تُلقي اللوم على نقص المعدات أو القرار السياسي؛ بل ترى أن المسؤولين في الدولة يجب أن يقتنعوا بأن الأمن الحقيقي هو أمن سياسي لا عسكري. وتضرب مثالاً بإيران ومصر والأردن، إذ لا تملك أي منها توازناً عسكرياً مع إسرائيل، وهذه “كذبة كبيرة”. فالمطلوب من الدولة اللبنانية أن تؤمّن حدودها وتبسط سيادتها على كامل أراضيها، عندها تصبح أي اختراقات إسرائيلية من مسؤولية الدولة اللبنانية، وتكتسب مشروعيتها الخارجية. وتتساءل: “من كان يتوقّع أن يواجه فولودومير زيلينسكي فلاديمير بوتين؟ لقد فعل ذلك بفضل المساعدات الدولية، وهذا ما نقصده عندما تستند الدولة اللبنانية إلى قرارات شرعية دولية وعربية تستمد القوة منها“.

لا يختلف اثنان على أن تمسّك “الحزب” بسلاحه يمنع قيام الدولة ويُصادر قرارها السياسي الاستراتيجي. وتعتبر مصادر “القوات” أنه إذا كان الجيش بحاجة إلى معدات، فمن أجل بسط سيطرة الدولة وفرض العودة إلى اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل التي كانت محترمة بين 1949 و1969، بحيث تصبح الدولة هي المسيطرة على الميدان من دون منازع داخلي.

وتختم مصادر “القوات” بأن حالة الدولة العاجزة عن نزع السلاح من جهة، وإصرار “الحزب” على التمسك بسلاحه من جهة أخرى، سيؤديان إلى حرب حتميّة.

الجيش و”حصر السلاح”: المشكلة بالمعدّات أم بالقرار السياسي؟ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print