تابعنا بأهمية قصوى، الزيارة الأخيرة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، إلى الولايات المتحدة، للقاء الرئيس دونالد ترامب. فما كانت الأولويات المشتركة والشراكات الجديدة وتأثيرها على المنطقة والعالم والإقتصادات؟
إنّ الأولوية الأولى تتعلّق بالإستثمارات، إذ وعد ولي العهد ووقّع إتفاقات إستثمارية بنحو 600 مليار دولار، على المدى القصير، وقد تصل إلى التريليون دولار على المدى المتوسط والبعيد. إنّ هذه الإستثمارات تتعلّق بالقطاعات الإنتاجية، ولا سيّما التجارية، التكنولوجية، الطاقة، الدفاع والبنية التحتية، وستُعزّز النمو في الصناعات الأميركية، وتعطي دفعاً قوياً لبرنامج التحوُّل الإقتصادي في السعودي.
أمّا الأولوية الثانية، فكانت تتعلّق بتعزيز الشراكات التكنولوجية، إذ وُقِّعت إتفاقيات مع شركات أميركية في مجالات الذكاء الإصطناعي والشرائح الإلكترونية، والحَوسبة السحابية، ومراكز البيانات التي تتماشى مع رؤية 2030، الهادفة إلى بناء إقتصاد متطوّر يعتمد على التكنولوجيا والمعرفة. فالواضح أنّ الذي سيقود العالم الجديد ويفوز في كل الحروب، سيكون الذي يمتلك التفوّق التكنولوجي، الداتا والمعلوماتية، والذكاء الإصطناعي في كل قطاعاته الإنتاجية. فكانت الإتفاقات بين الخبراء الأميركيِّين والسعوديِّين تتعلّق في هذا المجال الأساسي.
والأولوية الثالثة، كانت تتعلّق بالصفقات الدفاعية الكبرى، للإعلان عن استعداد الولايات المتحدة لبيع طائرات «أف 35» للمملكة، وهو تطوُّر اقتصادي واستراتيجي مهمّ، وتُعتبر من أضخم صفقات الدفاع، وتنعكس بقوّة على الصناعة العسكرية الأميركية، وتدعم قدرات المملكة الدفاعية. فهذا الإتفاق الإستراتيجي والأمني سيزيد النفوذ الأميركي على الأراضي السعودية، وفي الوقت عينه سيقوّي قدرة السعودية الدفاعية وحتى الهجومية.
لا شك في أنّ هذا التآزر ستكون له تأثيرات كبيرة على الأسواق المالية، وسيضخ رؤوس أموال سعودية على القطاعات الإستراتيجية التي ستُعزّز الثقة في الأسواق وتُحفّز الإبتكار.
أمّا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فستُشكِّل جزءاً أساسياً من تنويع استثماراتها وتقليل الإعتماد على النفط. فهذه الإستثمارات الخارجية الكبيرة ستمنح المملكة نفوذاً إقتصادياً عالمياً، لكنّها تحمل مخاطر تتعلّق بالعائدات وتوقيت المشاريع.
أمّا من جهة تعزيز النفوذ الجيوسياسي، فإنّ هذه الزيارة ستُعمِّق العلاقات الإقتصادية والأمنية والسياسية بين البلدَين، وتمنح الولايات المتحدة نفوذاً أكبر في المنطقة، وفي المقابل ستمنح السعودية نفوذاً إقليمياً يُعزِّز موقعها الإقليمي. ويُمكن أن نقرأ بين السطور، أنّه دارت مفاوضات مكثّفة حول التطبيع السعودي – الإسرائيلي، وقطع كل قنوات تمويل الإرهاب والأحزاب الإرهابية المدمّرة.
في المحصّلة، لا شك في أنّ العالم يُحرز تقدُّماً إقتصادياً ومالياً، من خلال إقامة إتفاقات وتآزر إستراتيجية جديدة. ومن الواضح أنّ الرئيس دونالد ترامب يُحاول تنفيذ جزء كبير من وعوده الإنتخابية قبل انتهاء السنة الأولى من ولايته الرئاسية، فيُحاول الرئيس الأميركي فرض نفسه وفرض الولايات المتحدة، بصفته الحاكم الأكبر في المرحلة المستقبلية، إقتصادياً، مالياً، أمنياً وسياسياً. وعلى رغم من بعض الضغوط، فقد برهن الرئيس الأميركي قدرته الهائلة، بفرض أولوياته، خطته واستراتيجياته الداخلية والدولية. نتمنى أنّ وعده للسلام سيُنفّذ في أسرع وقت، ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، لا بل بفرض السلام والإستقرار في الشرق الأوسط.
التآزر الأميركي- السعودي والانعكاسات الإقتصادية .