الإنفاق في بلاك فرايداي ٢٠٢٥: ذروة رقميّة جديدة ودلالات اقتصاديّة عميقة

IMG_5640

شكّل يوم البلاك فرايداي حدثاً اقتصادياً بارزاً بات يتجاوز حدود التسوّق التقليدي، ليصبح مؤشراً لقياس اتجاهات المستهلكين، وتحولات السوق، وقوة التجارة الإلكترونية في الاقتصاد الأميركي والعالمي.
وخلال السنوات الست الماضية (2020 – 2025)، سجّل الإنفاق الإلكتروني في الولايات المتحدة نمواً متواصلاً، بلغ مجموع قيمته أكثر من 59.5 مليار دولار، ما يعكس تسارع التحول الرقمي، ودخول أدوات الذكاء الاصطناعي بقوة إلى تجربة الشراء.

من بداية التحول الرقمي التاريخي إلى الذكاء الاصطناعي

كان عام 2020 نقطة الانطلاق، حيث دفع انتشار جائحة كورونا الملايين نحو الشراء عبر الإنترنت، مسجلاً 9.03  مليارات دولار في بلاك فرايداي، وهو رقم قياسي أعاد رسم خريطة تجارة التجزئة.

برغم استمرار التحول الرقمي، تراجع الإنفاق قليلاً إلى 8.92  مليارات دولار بفعل المخاوف الصحية وعدم اليقين الاقتصادي. أصبح المستهلكون أكثر انتقائية، وبدأت الملامح الأولى لأزمة الثقة تظهر في سلوكهم.

ارتفع الإنفاق مجدداً إلى 9.12 مليارات دولار، في مؤشر على استعادة النشاط الشرائي واندماج التسوق الإلكتروني اندماجاً أعمق في نمط المستهلكين خلال مواسم الأعياد.

سجّل 2023 مبيعات إلكترونية بقيمة 9.8  مليارات دولار، مع اعتماد أكبر على المنصات الرقمية في ظل القلق من التضخم وارتفاع الأسعار. بدا واضحاً أنّ المتسوّقين باتوا يفضلون العروض الإلكترونية كوسيلة للبحث عن الأسعار الأفضل.

شهد عام 2024 قفزة كبيرة بلغت فيها مبيعات البلاك فرايداي عبر الإنترنت 10.8 مليارات دولار، بارتفاع يفوق 10% عن 2023، مدفوعة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتصفية الأسعار، واقتراح المنتجات، وتحسين تجربة الشراء

 2025 مستوى قياسي جديد عند 11.8 مليار دولار

بلغ الإنفاق الرقمي هذا العام مستوى قياسياً وصل إلى 11.8 مليار دولار (+9.1%)، بحسب أدوبي أناليتيكس التي تتبع تريليون زيارة لمواقع البيع.
وبرغم أن المستهلك الأميركي يعيش اليوم ظروفاً ليست مثالية – ميزانيات مشدودة، بطالة قرب أعلى مستوى في أربع سنوات، وتراجع ثقة المستهلك لأدنى مستوى في سبعة أشهر – إلا أنّ الذكاء الاصطناعي لعب دوراً حاسماً في دفع المستهلكين نحو التسوق عبر الإنترنت وتجنّب المتاجر المزدحمة.

 كيف غيّر الذكاء الاصطناعي شكل البلاك فرايداي؟

شهد عام 2025 انفجاراً في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التجارة الإلكترونية:

  • 805 %زيادة في حركة الزيارات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي إلى مواقع التجزئة في أميركا.
  • ظهور أدوات مثل Sparky من وولمارت و Rufus

     من أمازون.

  • اللجوء المكثف إلى شات بوتس لمقارنة الأسعار والحصول على الخصومات.
  • ساعدت تقنيات التنبؤ والسلوك الشرائي في رفع معدلات التحويل وزيادة متوسط سعر البيع بنسبة 7%.

أما عالمياً، فقدّرت Salesforce أن “وكلاء” الذكاء الاصطناعي أثّروا في مبيعات بقيمة 14.2 مليار دولار في يوم واحد، منها 3 مليارات في الولايات المتحدة وحدها.

 تغيّر سلة المشتريات: ماذا اشترى الأميركيون؟

بحسب بيانات Adobe وSpendingPulseأكثر ما اشتراه الأميركيون هو  الألعاب وتحديداً Lego وPokémonثم الإلكترونيات من  Nintendo Switch، PlayStation 5، إلى Apple AirPods وتأتي بعدها الأجهزة المنزلية من خلاطات و KitchenAid

وأخيراً السلع الفاخرة التي  شهدت نمواً بدعم ارتفاع دخول الفئات الأعلى دخلاً.

وبرغم زيادة الإنفاق، تراجع عدد الوحدات المشتراة (−2%) وانخفض حجم الطلبات (−1%)، في إشارة إلى أنّ الأسعار المرتفعة تقلص الكميات برغم استمرار الشهية للشراء.

 متاجر التجزئة التقليدية: إقبال ضعيف وقلق من الإنفاق

في المتاجر الفعلية، كان الإقبال أقل من المتوقع، إذ تجنّب كثير من المتسوقين الاصطفاف والخروج إلى الأسواق بسبب استمرار التضخم، الضبابية في السياسة التجارية، سوق العمل الضعيفة، والميل إلى مقارنة الأسعار رقمياً قبل الشراء

وبحسب SpendingPulse، نمت مبيعات التجارة الإلكترونية بـ 10.4% مقابل 1.7 % فقط داخل المتاجر، ما يؤكد انتقال الزخم بالكامل نحو القنوات الرقمية.

في هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي د. خالد رمضان في حديثه لـ”النهار” أنّ لهذا الإنفاق أبعاداً اقتصادية كبرى ودلالات مهمة أبرزها:

“استمرار التحول الهيكلي نحو التجارة الإلكترونية، حيث إنّ النمو المتتالي لست سنوات متتالية يؤكد أننا أمام تحوّل طويل الأمد لا يمكن التراجع عنه، والذكاء الاصطناعي أصبح العامل الحاسم في قرارات الشراء، فلم يعد دور الذكاء الاصطناعي مقتصراً على التوصيات، بل أصبح محركاً فعلياً للمبيعات، مع توسع الاعتماد على الشات بوتس والوكلاء الرقميين”.

ولفت إلى أنّ “المستهلك الأميركي ينفق لكن بحذر، فارتفاع متوسط سعر البيع مقابل انخفاض عدد الوحدات يعبّر عن ضغوط الأسعار، تراجع الثقة،ومحاولة ضبط الميزانية، وهذا يعكس اقتصاداً يواجه تباطؤاً في الإنفاق الحقيقي برغم صمود الإنفاق الاسمي”.

وأضاف رمضان أنّ “التضخم والرسوم الجمركية يغيّران شكل الاستهلاك، فارتفاع الأسعار أثّر في القيمة الحقيقية للخصومات، وقيّد الشهية الشرائية لدى الطبقات المتوسطة”.

وختم “برغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بقي الطلب على الإلكترونيات والمنتجات الفاخرة مرتفعاً، ما يعكس دور الفئات ذات الدخل الأعلى في دفع النمو”.

 البلاك فرايداي 2025 ليس مجرد حدث استهلاكي… بل مؤشر اقتصادي

الإنفاق القياسي هذا العام يعكس تبايناً واضحاً للمستهلك الأميركي ينفق برغم التحديات، فيما الذكاء الاصطناعي أصبح محرّكاً مركزياً للتجارة، والأسعار المرتفعة تغيّر تركيبة الطلب. أما التجارة الإلكترونية فتبتعد أكثر عن المتاجر التقليدية، والاقتصاد الأميركي يرسل إشارات معقدة بين القوة الظاهرية والضغوط البنيوية.

إنها مرحلة جديدة من اقتصاد التجزئة الرقمية، حيث يلتقي المستهلك الحذِر بالتكنولوجيا المتقدمة، فيشكلان معاً ملامح السوق للسنوات المقبلة.

الإنفاق في بلاك فرايداي ٢٠٢٥: ذروة رقميّة جديدة ودلالات اقتصاديّة عميقة .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print