– محطات حاشدة للبابا مدججة برمزيات «لبنان الرسالة»
لم تُخالِفْ الوقائعُ التوقّعاتِ لجهة ما يتربّص بلبنان بعد أن يودّعه البابا ليو الرابع عشر تاركاً وراءه «وديعة سلامٍ» شكّل شعارَ زيارته التاريخية لـ «بلاد الأرز» وكاد أن يَحجبه نفيرُ حربٍ تَحشد لها إسرائيل ديبلوماسياً وعسكرياً وكأنها واقعة «الآن الآن أو… غداً».
وفي موازاة «هدنة البابا» التي أرستْها إسرائيل لتمرير الزيارة، فإنّ إشارات مُقْلِقَةً تَقاطَعَتْ عند أن تل أبيب توشك على إنجاز «مسرح» التصعيد ضدّ «حزب الله» ولبنان الذي بدا عيناً على «زيارة السلام» وأخرى على شبح الحرب التي تلوح… من قريب.
وفيما كان البابا ومن قلب «خيمة السلام» التي احتضنتْ اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان الذي جمعه برؤساء الطوائف في «بلاد الأرز»، يُعْلي معادلة «الوحدة والمصالحة والسلام» كـ «أمر ممكن» يعبّر عنه لبنان وشعبه بدياناته المختلفة «وهم قادرون على العيش معاً بالاحترام بالحوار الذي يجب أن يرفض التفرقة والاضطهاد» متوجّهاً إلى اللبنانيين «انتم مدعوون لأنّ تكونوا دعاة سلام وأن تتغلبوا على العنف»، زادتْ إسرائيل من إطلاق «الإشارات السبّاقة» لتصعيدٍ باتت واشنطن في صلب «المشهد التمهيدي» له.
وإذ طَبَعَ البابا اليوم الثاني من زيارته لبيروت بغرس شجرةِ زيتون خلال اللقاء المسكوني في «ساحة الشهداء» حيث أشار أيضاً إلى «أن الحوار في الشرق الأوسط يرتكز على الروابط الروحية التي تجمع المسيحيين مع المسلمين واليهود»، ساد «حَبْسُ الأنفاسِ» بإزاء ما «تَزرعه» إسرائيل من سيناريوهاتٍ لحربٍ «نافستْ» المحطةِ البابوية التي عاوَدَتْ وَضْعَ لبنان على خريطة الاهتمام الدولي من بابه العريض، من دون أن تُلغي المَعاني الخطيرة لـ «القنابل المضيئة» سياسياً وعلى مستوى استعدادات تل أبيب لاستئناف جولة قتال… أخيرة.
وفي هذا الإطار برزت الوقائع الآتية:
– ما نقلتْه قناة «الحدث» عن مصادر من أنّ المبعوث الأميركي توم براك حَمَلَ رسالةً للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد «حزب الله» في لبنان «ستستمر حتى نزع سلاحه»، و«من ضربة قاسية للعراق نفسه إذا تدخلت الفصائل إلى جانب الحزب».
واكتسب هذا التحذير دلالات شديدة الخطورة، لأنه يؤشر من جهة إلى انخراط أميركي في رفْد إسرائيل بعناصر إسنادٍ في أي حربٍ ضد الحزب على قاعدة «فصل جبهات» المحور الإيراني، ويكمل من جهة أخرى ما كانت هيئة البث الإسرائيلية كشفته عن أن تل أبيب وجهت رسالة تحذير إلى بيروت عبر الولايات المتحدة من أنها ستوسع ضرباتها على الأراضي اللبنانية إذا لم يتم نزع سلاح الحزب.
– زيارة قائد المنطقة الشمالية رافي ميلو لمواقع عسكرية على امتداد الحدود مع سوريا ولبنان «للاطلاع على تدريبات القوات وإجراء تقييمات ميدانية للجهوزية».
وبحسب ما نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» أجرى ميلو سلسلة اجتماعات ميدانية خلص فيها إلى أنّ القوات المنتشرة «في مستوى عالٍ من التأهب دفاعياً وميدانياً ومستعدة لأي تطورات محتملة في منطقتي سوريا ولبنان»، مؤكداً «لن نسمح بترسّخ الإرهاب على الحدود، ووحدات الجيش ستواصل العمل بحزم وبمبادرة لإزالة التهديدات قبل تطورها».
واكتسبت هذه الجولة، التي أعقبتْ التوغل الأخير في بلدة بيت جن – ريف دمشق، أهمية وسط تقارير تتحدث عن أن أي جولة حربية جديدة ضدّ «حزب الله» قد تشمل هذه المرة «تفعيل» ما بات خاصرة رخوة تشكّلها سوريا وجنوبها للحزب وذلك لإحكام طوق حوله من خلال تقدم بري عبر البقاع الغربي يحاصره في الجنوب.
– ما أوردتْه صحيفة «هآرتس عن أن العمليات العسكرية في سورية كما في لبنان تهدف إلى إبقاء إسرائيل في حالة حرب دائمة خدمةً لطموحات بنيامين نتنياهو وتوفير الغطاء الأمني اللازم لطلب العفو الذي يطالب به، في موازاة إعلان رئيس إدارة البحث الدفاعي والتطوير في وزارة الدفاع دانيال غولد الانتهاء من تطوير منظومة الدفاع الجوي «الشعاع الحديدي» (درع النور) التي تعمل بتكنولوجيا الليزر، مشيراً إلى أن من المقرر تسليم أول دفعة للجيش أواخر الشهر الجاري.
الحزب لا يسعى للحرب
في المقابل، كان «حزب الله» وبلسان مسؤول منطقة البقاع حسين النمر يعلن «أن الحزب لا يسعى إلى الحرب» لكنه سيكون حاضراً في ساحتها إذا فُرضت عليه، مشدداً على «أن المعركة لم تنتهِ بعد، والحزب لن يرفع الراية البيضاء أو يستسلم».
وأوضح «أن ما يُعرض على حزب الله يتضمن تسليم السلاح والانسحاب من المواقع والاندماج في السياسة وترك قتال إسرائيل»، معتبراً «أن هذا الطرح هو شكل من أشكال الاستسلام»، مضيفاً: «واجب الدولة حفظ سيادتها واسترجاع الأراضي المسلوبة والحزب سيقف إلى جانب الدولة يداً بيد حين تقوم بذلك».
ملتقى الأديان
وعاكستْ هذه المناخات «الحربية» المدجّجة بمخاطر عاصفة نار عاتية، نسائم السلام التي لاحت من الزيارة البابوية في مختلف محطاتها التي تُتوَّج الثلاثاء بقداس عند واجهة بيروت البحرية يشارك فيه أكثر من 120 ألف شخص، وذلك بعد صلاة صامتة في موقع انفجار مرفأ بيروت.
ولم يكن عابراً أن يطلّ عضو الكونغرس الأميركي ليندسي غراهام الوثيق الصلة بالرئيس دونالد ترامب على زيارة البابا الأميركي حيث كتب على حسابه عبر «إكس»: «تأتي زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان في لحظة حرجة. إن وجوده يذكرنا بقوة ووحدة المجتمع المسيحي في لبنان، كما أن رسالة السلام التي يحملها تبعث الأمل في نفوس شعب عانى الكثير».
وأضاف «نأمل أن تجلب زيارته الراحة والشفاء والتزاماً متجدداً بالمصالحة بين لبنان وإسرائيل وجميع جيرانه».
وجاء ذلك على وقع مشهدية محمّلة برمزياتٍ تعكس صورة لبنان، الصيغة والفكرة والرسالة، ملتقى الأديان ومختبر تعايُشها، والتي تَجَلَّتْ خصوصاً في اللقاء المسكوني في ساحة الشهداء والذي أعقبه اجتماعٌ للبابا مع رؤساء الطوائف الإسلامية لوحدهم في مقر السفارة البابوية.
ولم يقلّ دلالةً تَعَمُّد البابا زيارة دير مارمارون حيث ضريح القديس شربل في عنايا (قضاء جبيل) قبل محطةٍ في بازيليك سيدة لبنان في حريصا للقاء الأساقفة والكهنة والراهبات والمكرّسين والعلمانيين العاملين في الحقل الراعوي، ليتوّج يومَه الثاني بلقاء الشبيبة الذي احتشد فيه نحو 13 ألف شخص في بكركي، وسط طغيان دعوات السلام من المشاركين في مختلف المحطات.
وإذا قال البابا من عنايا «من أجل العالم فَلنَطلبِ السَّلام. نطلب السلام، بصورة خاصة، من أجل لبنان وكل المشرق. ونعلم جيداَ، أن لا سلام من دون توبة القلب»، أعلن من حريصا مستحضراً البابا الراحل بينديكتوس السادس عشر «الآن بالتحديدِ يجب علينا أن نحتفل بانتصار المحبة على الكراهية والمغفرة على الانتقام والخدمة على السيطرة، والتواضع على الكبرياء، والوحدة على الانقسام»، داعياً الى «الالتزام، حتّى لا يضطر أحد بعد اليوم إلى الهروب من بلده بسبب صراعاتٍ عبثيّةٍ وقاسية، وحتّى لا يشعرَ مَن يدق باب جماعاتِنا أنّه مرفوض».
براك للعراق: عملية إسرائيلية قريبة ضد «الحزب»… وحذارِ تَدَخُّل الفصائل إلى جانبه .