“نقسم بالله العظيم”… أننا مستباحون!!

d340175541be45228ad67108480da443_230716_large

يحل البابا لاوون، رسولاً رابعاً من رسل خلفاء القديس بطرس على رأس الكنيسة إلى لبنان منذ ستينيات القرن الماضي

حين تجمع خيمة “اللقاء المسكوني” بعد ظهر اليوم الثاني من زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان، الحبر الأعظم مع ممثلي 18 طائفة هي مكونات لبنان الدينية، ترانا مشدودين إلى مفارقة مفعمة بدلالات قدرية، ولو بفعل المصادفة، وهي أن رمزية اللقاء الديني الحضاري الشاهد على لبنان الرسالة هذا، هي إياها التي ستشهد بعد 12  يوما بالتمام والكمال الذكرى العشرين للذي أطلق قسم الوحدة بين المسيحيين والمسلمين. هنا في هذه النقطة المحورية التاريخية، بملاصقة تمثال الشهداء وفي ساحة الشهداء التي عرفت ما لم تعرفه حتى ساحات باريس، من واقعات تاريخيّة، سيتسم لقاء البابا الذي وطأت قدماه البارحة ارض “وطن الرسالة” كما أطلق عليه التسمية الخالدة البابا الآسر التاريخيّ يوحنا بولس الثاني، بمشاعر وانفعالات لبنانية قد يعجز كثيرون عن نقلها إلى الضيف الأكثر استقطابا لوحدة كنا نتمناها لأكثر من ثلاثة أيام! نعم . قبل عشرين عاما ووسط موج مليوني غير مسبوق، سابقا ولاحقا، فاضت به ساحات لبنان وبيروت، كان جبران تويني يقف امام تمثال الشهداء ويطلق قسم “ان نبقى موحدين إلى ابد الابدين”، ولكن الوحدة المعمدة بشلالات دماء لا زالت تستسقي الدماء لأن الاستباحة اقوى من الوحدة حتى حين تكون الوحدة فعلاً راسخاً، فكيف وهي تنتفي وتندثر وتهوي مع الانهيارات والانقسامات والاستباحات.

يحل البابا لاوون، رسولا رابعا من رسل خلفاء القديس بطرس على رأس الكنيسة إلى لبنان منذ ستينيات القرن الماضي، والخط البياني التاريخيّ إياه، هو هو عبر المقارعة التاريخية للبنان مع الاستباحة. كان عهد شارل حلو في مطالعه يوم حط البابا بولس السادس في مطار بيروت في محطة سريعة لمباركة بلد التعددية الدينية الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتناوب في نظامه رؤساء موارنة مسيحيون على رأس السلطة وفق نظام توزيع طائفي فريد في العالم. ولكن الاستباحة سرعان ما اطلت برأسها في العهد نفسه مع اتفاق القاهرة والتهيئة لتفجير الحرب بعد سنوات. مع رحلتي يوحنا بولس الثاني في أيار 1997  وبينديكتوس السادس عشر في أيلول 2012  كانت الاستباحة في ذروة تفجرها ما بين شراكة النظامين الاسدي والإيراني بتآمر او بتجاهل دولي سافر ترك لبنان عرضة لشراكة الاستباحة الثلاثية بين سوريا وايران وإسرائيل .

ان يبدأ لاوون الرابع عشر زيارته للبنان وسط فائض الرعب من حرب تدأب إسرائيل على اطلاق الإنذارات المخيفة حيالها حتى عشية وصول البابا، وعلى نحو متعمد مكشوف، وان تمعن ايران في فحيح تدخلها السام، ويمعن “حزب الله” في سرديات المكابرة والتحدي بالسلاح ولو حشد عشرات الآلاف لاستقبال البابا … كل هذا يعني ان رسول السلام الأبيض يرفع اقوى “أسلحة” الفاتيكان، الدولة الروحية المجسدة لسلام المسيح، إلى أقصى درجات ما يملكه لحماية لبنان. ولكن الاستباحة ستحتاج إلى تحويل الزيارة إلى ما هو ابعد من شد عصب الوحدة اللبنانية، إلى حيث لا يقيم المستبيحون اعتبارا لكل ما لا يردعهم .
مع كل الحقائق الكابحة للفرح، لا نملك إلا ان نفرح لان جوهر البلد الرازح تحت الاستباحة لا يزال يملك الكثير مما هو اقوى من مستبيحيه، ولولا ذلك لما كان لاوون أهدانا الأيام الثلاثة التاريخية وما وراءها وأمامها من تاريخ لا يمحوه عتاة الاستباحة.

“نقسم بالله العظيم”… أننا مستباحون!! .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print