بدأت الإجراءات العملية لمعالجة الملفات العالقة بين الدولتين في لبنان وسوريا. وشهدت الأسابيع الأخيرة بدء تنفيذ خطوات عملية من الجانب اللبناني بعد وضع الأسس بين دمشق وبيروت على إثر جولات البحث السياسي والأمني التي بدأت منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل سنة من اليوم.
ودأبت الأجهزة والسلطات المختصة في لبنان على المباشرة ببعض الخطوات التي تهدف إلى أن تكون بمثابة “حسن نيّة” من قبل بيروت تجاه دمشق، وتأكيدٍ على أن لبنان يريد علاقة مؤسساتية وندية مع سوريا. لا يُعتبر حلّ الملفات بين البلدين مستحيلًا، هذا ما تُردده المصادر. لكن هذه الملفات تحتاج إلى مسارٍ مشترك يتكامل بين الأمن والسياسة والقانون، ليتم تذليل أي عقبة في طريق بناء العلاقة، سواء كانت في ملف الموقوفين أو الملاحقين أو حتى مسؤولي نظام الأسد المقيمين على الأراضي اللبنانيّة.
إلغاء التدابير بحق مؤيدي “النصرة”
يؤكد مصدر رسمي لـ”المدن” أن السلطات اللبنانية باشرت في اتخاذ إجراءات لإلغاء التدابير المتعلقة بأسماء سوريين كانوا مُتهمين بالانتماء إلى “جبهة النّصرة” و”هيئة تحرير الشام”. يتضمن ذلك اتخاذ إجراءات بمراجعة لوائح الأسماء المعنية، وإطلاق سراح أي مواطن سوري بشكلٍ فوري يتم توقيفه عند المعابر الحدودية أو مطار رفيق الحريري الدولي.
وتعتبر الدولة اللبنانية أن ما حصل من مُتغير سياسي في دمشق بعد هروب بشار الأسد وأركان نظامه، ينبغي أن ينعكس بكل تفاصيل الصفحة الجديدة في العلاقة بين البلدين، بما في ذلك أن ما كان يُعرف بـ”جبهة النصرة” أو “تحرير الشّام” باتوا اليوم من ممثّلي الدولة السورية، وبالتالي لم تعد التدابير المتخذة في السنوات السابقة ذات جدوى أمنية أو سياسية، بل هي عقدة في العلاقات ينبغي على بيروت تذليلها.
حل ملف الموقوفين السوريين؟
وتؤكد مصادر “المدن” أن الجانب السوري يتفهم بشكلٍ كامل أن الإفراج عن المعتقلين السوريين يحتاج إلى متابعة الآليات القانونية اللبنانية، وكذلك إلى إبرام اتفاقيات أمنية – قضائية – سياسية جديدة. وهذا ما بدأ الجانبان القيام به في الأسابيع الأخيرة. إذ بدأت اللجان المختصة بالعمل في صياغة هذه الاتفاقيات والتفاهم عليها. كما أن بيروت أبلغت الجانب السوري أنها تسعى لاتخاذ إجراءات على المدى القريب تهدف إلى تقديم مبادرات في هذا الإطار، منها دراسة أوضاع الموقوفين السوريين من غير المحكومين للإفراج عمن يُتيح له القانون اللبناني ذلك، وتسريع المحاكمات لمن لم تتم محاكماتهم، والأخذ بعين الاعتبار فترة التوقيف، ما يتيح الإفراج عن عددٍ غير قليل من المواطنين السوريين.
يدخل في ذلك الإطار أيضًا الموقوفين السوريين على إثر آرائهم السياسية أو ما يطلق عليهم “أصحاب الرأي”، أكان بتهمة الانتماء لـ”جبهة النصرة” أو مناصرة الثورة السوريّة ضد بشار الأسد.
أما عن مصير الموقوفين، فيتم دراسة حلين:
الأوّل أن تتضمّن الاتفاقيات الجديدة بنودًا حول تبادل تسليم الموقوفين المحكومين في الجنايات لإكمال فترة الحكم في سوريا.
الثاني أن يدرس الجانب اللبناني إمكانية أن يُحل هذا الملف ضمن قانون عفوٍ عام. وهذا يتطلّب توافقًا سياسيًا ودونه عقبات سياسية داخلية، أبرزها إمكانية أن يُعارض حزب الله ذلك في حال لم يتضمن العفو عن الموقوفين والمطلوبين بقضايا المخدرات وتجارة السلاح.
ملف ترسيم الحدود
أكد الرئيس السوري أحمد الشرع في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين استعداد بلاده لترسيم الحدود بين البلدبن، منذ الزيارة الأولى التي قام بها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي إلى دمشق برفقة مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي، ومدير عام الأمن العام حينها اللواء إلياس البيسري ونائب مدير عام أمن الدولة يومها اللواء حسن شقير.
كذلك سمع المسؤولون اللبنانيون ذلك من الرئيس الشرع، أكان لقائه برئيس الجمهورية العماد جوزيف عون في لقائهما في العاصمة المصرية القاهرة، أو بلقائه رئيس الوزراء نواف سلام الذي يتابع كل تفاصيل الملفات العالقة بين بيروت ودمشق.
يؤكّد الجانبان نيّتهما ترسيم الحدود، وهذا ما نصّ عليه اتفاق وزيري دفاع البلدين في الرياض برعاية وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان في آذار الماضي. الهدف من تأكيد النيات هو الأساس في هذا الملف الذي يتطلّب مسارًا طويلًا لا يخلو من العوائق الجغرافية بسبب التداخل في الأراضي وحتى في السكان بين البلدين.
كما أنها المرة الأولى التي يخوض فيها البلدان الجاران تجربة ترسيم الحدود، على الرغم من المحاولات أيام حكم بشار الأسد، والتي لم تقارب الملف يومًا بجدّية كما تقاربه الدولة السورية الجديدة.
في الوقت عينه، يعتبر لبنان أنه حاضرٌ من اللحظة الأولى لإنجاز هذا الملف. لكنّ الجانب السوري الذي تسلمَ مؤسسات متهالكة ودولة متآكلة من نظام آل الأسد يعيد ترتيب الإدارة ومراجعة ما تبقى من ملفات في هذا الشأن. وهذا يتطلّب بعض الوقت لاستكمال الإجراءات الداخلية السورية، خصوصًا أن دمشق تريد كما بيروت البدء بالمفاوضات الجدية لترسيم الحدود البريّة والبحرية، وما يترتب على إنجازه من منافع أمنية لضبط الحدود بين البلدين، واقتصادية في استثمار الثروات الكامنة في مياه البحر الأبيض المتوسط.
تسليم فلول النظام؟
أحد الملفات الأساسية بين البلدين هو لجوء عدد من مسؤولي النظام السوري السابق إلى لبنان. إذ إن كثيرًا منهم مُتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري. لكن مصادر “المدن” تؤكد أن بيروت لم يصلها حتى الساعة أي طلب سوريّ رسمي لتسليم مسؤولين سابقين في النظام المخلوع. وأن بيروت مستعدّة لبحث أي مذكرة توقيف سورية بحق أي مسؤولٍ من نظام الأسد تصلها من الجهات الرسمية السورية. كما تلفت المصادر أن وضع الكثير من هؤلاء يُعتبر “قانونيًا” بسبب حيازتهم على إقامات أو دخولهم بشكلٍ قانوني. لكنّ هذا قد يتغيّر في حال بدأ القضاء السوري ملاحقتهم بشكلٍ رسمي أو أصدر مذكرات توقيف عبر الإنتربول بحقهم.
لبنان يُبادر: إلغاء التدابير الأمنية بحق مؤيدي جبهة النصرة .