البابا في لبنان… مفترق طرق إقليمي، هل سنشهد دعوة له لزيارة المملكة العربية السعودية؟

زيارة-البابا-2-2

تَحمِلُ زيارةُ بابا رُوما لِلبنان وَقعًا فَريدًا في لحظةٍ إقليميّةٍ مُضطَرِبة، لِأنّها تُعيدُ تَصديرَ لبنان كَمَركزٍ لِلتَّلاقي الرُّوحيّ في مِنطَقَةٍ تَتَشابَكُ فيها حَقائقُ السّياسةِ بِدَلالاتِ الدّينِ والتّاريخِ.
فَمعَ كُلِّ زِيارةٍ بابَوِيّةٍ تَنتَقِلُ الأنظارُ إلى المُعادِلاتِ العَميقةِ الّتي تُديرُ بَوصلةَ التَّقارُبِ أو التَّباعُدِ بَينَ الشَّرقِ والغربِ، ويَتَجدَّدُ السُّؤالُ الّذي يَتَنَاقَلُهُ الفاعِلونَ السّياسيّون، هَل تُمهِّدُ هٰذهِ الزِّيارةُ لِخطواتٍ أبعَد، مِن بَينِها تَلَقّي البابا دَعوةً رَسميّةً لِزيارةِ المَملكةِ العَرَبيّةِ السُّعوديّة؟
إنّ التَّحليلَ البَعيدَ عَنِ العاطِفةِ يُظهِرُ أَنّ الفاتيكان يَتَقَدَّمُ في مَنهَجِهِ الدّبلوماسيّ بِخُطىً بَطيئَةٍ لكن مُحكَمة، يَسعَى فيها إِلى تَخفيفِ التَّوتُّراتِ، وتَثبيتِ الحِوارِ بَينَ الدّياناتِ، وبِخاصّةٍ في المَناطِقِ الّتي يَتَراكَمُ فيها الصِّراعُ وتَتَبايَنُ فيها الرُّؤى. وزيارةُ البابا لِلبنان تَدخُلُ في هٰذا السِّياق، إذ تُبرِزُ دَورَ البِلادِ كَجِسرٍ تَاريخيّ بَينَ الدّياناتِ، وتُعيدُ لُبنان إِلى خَريطَةِ الرّمزيّاتِ الرُّوحيّةِ الّتي يُعوَّلُ عَلَيها لِفتحِ أُفقٍ إقليميٍّ جَديد.
أمّا اِرتِباطُ هٰذهِ الزِّيارةِ بِاحتمالِ تَلَقّي البابا دَعوةً لِزيارةِ السُّعوديّة فَهُو بَعدٌ يَتَجاوَزُ المَشهَدَ اللُّبنانيّ الضَّيِّق، لِأَنّ المَملكةَ تَعيشُ مَسارًا اِنتِقالِيًّا واسعًا يُعيدُ تَشكيلَ دَورِها الإقليميّ ورُؤيتِها العالَميّةِ. فَالانفِتاحُ الّذي تَشهَدُهُ، بِخُطاهُ المُتدرِّجَةِ، يَجعَلُ مُستَقبلَ العَلاقةِ مَع الفاتيكان مَفتوحًا عَلى اِحتمالاتٍ لم تَكُن مَطروحةً بِشَكلٍ جَدّيٍّ في السّابق.
غيرَ أَنّ الدَّعوةَ نَفسَها،إِن طَرَحَتها المَملكةُ،سَتكونُ خُطوةً ذاتَ وَزنٍ استثنائيّ، لِأَنّها تُقحِمُ المَسارَ الدّبلوماسيّ في مَسائِلَ دينيّةٍ بالِغةِ الحَساسيّة، مِمّا يَجعَلُها خُطوَةً تَحتاجُ إِلى تَوافُقٍ داخِليٍّ واسِعٍ.
وَفي الدُّوَلِ الإسلاميّةِ، سَتَحْمِلُ خُطوةٌ مِثلُ هٰذه تَأثيراتٍ مُتبايِنَةً، إذ سَيراها بَعضُها مُؤَشِّرًا إِلى اِنفِتاحٍ مُتزايدٍ وتَقريبٍ بَينَ الثَّقافاتِ والأديانِ، فَتُساهِمُ في تَعزيزِ النَّقاشِ حولَ دَورِ الدُّوَلِ المُؤَثِّرةِ في صِناعَةِ حِوارٍ جَديدٍ في العالَمِ الإسلاميّ. في المُقابِل، سَتُواجِهُ الخُطوَةُ اِعتراضاتٍ مِن بُلدانٍ تُعتَبَرُ الهُوِيّةُ الدّينيّةُ فيها عامِلًا حاسِمًا في صِياغةِ المَواقِفِ، لِأنّ زِيارةَ البابا إِلى السُّعوديةوبِخاصّةٍ إِذا شَمِلَت مَواقِعَ مُقدَّسَة سَتُثيرُ جِدَلًا يُلامِسُ حُدودًا فِقهيّةً وتَاريخيّةً لا تُتَجاوَزُ بِسُهولة.
وهٰكذا يَتَبيَّنُ أَنّ صَدى هٰذهِ المسارات، بِتَشابُكاتِها الدّينيّةِ والسّياسيّةِ، سَيَتَراوَحُ بَينَ مَن يَحتَفِي بِدَورٍ مُتجدِّدٍ لِلسُّعوديّةِ في قِيادةِ المُبادَراتِ الحِواريّةِ، ومَن يَخشى مِن تَبِعاتِها عَلى البُنى الثَّقافيّةِ والدّينيّةِ في بَعضِ المُجتَمَعاتِ.
فَالمَسارُ بِكامِلِهِ سَيَبقى مُرتَبِطًا بِتَوازُناتٍ داخِليّةٍ وإقليميّةٍ شَديدةِ التَّعقيد، لَكنّه في المُقابِل يَمنَحُ لُبنان دَورًا مُضَاعَفًا كَمَساحَةِ تَلاقٍ وكمِفتاحٍ ناعِمٍ لِفتحِ أَبوابِ الحِوارِ الّتي كانَت مُقفَلَةً لِزَمنٍ طَويل.

البابا في لبنان… مفترق طرق إقليمي، هل سنشهد دعوة له لزيارة المملكة العربية السعودية؟ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print