عام على الهدنة “الكاذبة” في لبنان: كل الطرق تقود إلى الحرب

1132447-232192949

بعد عام على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، تبين أن ما سمي هدنة لم يكن سوى انتقال للصراع من مستوى الحرب المفتوحة إلى مستوى الاستنزاف البطيء رسمت مشهداً مغايراً تماماً لفكرة “وقف الحرب”.

ومع تبادل الاتهامات بخرق الاتفاق، بدا أن بنية التفاهم تتآكل تدريجاً، فإسرائيل لم تنسحب من النقاط الحدودية، ولبنان لم يدخل عملياً في مسار نزع السلاح. وفي الخلفية، تتقاطع الضغوط الأميركية والإسرائيلية عند فكرة أن الوقت يقترب من لحظة حاسمة.

بعد عام على إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وانتهاء عملية “سهام الشمال” التي أطلقتها إسرائيل ضد “حزب الله”، يبدو أن تلك “الهدنة” لم تُنهِ الأعمال الحربية، بل حولتها إلى حرب استنزاف صامتة تُدار بالمسيرات والصواريخ الدقيقة والعمليات المحدودة، فيما بقيت السياسة عاجزة عن إنتاج حل حقيقي لجوهر الأزمة، ما بين سلاح “حزب الله” ومستقبل المعادلة الأمنية في لبنان.

فخلال هذا العام المنصرم، كانت الوقائع الميدانية تشهد جولات متقطعة من العنف إذ أحصت قوات حفظ السلام الدولية “اليونيفيل” أكثر من 7500 غارة واستهداف إسرائيلي على الأراضي اللبنانية، تقول إسرائيل إنها استهدفت منشآت وبنى تحتية يستخدمها “حزب الله”، وما يزيد على 2500 توغل بري على طول الحدود، واغتيال نحو 340 عنصراً وقيادياً من الحزب في عمليات دقيقة، آخرها اغتيال الرجل العسكري الثاني في صفوفه هيثم علي الطبطبائي في ضربة دقيقة طاولت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أيام قليلة.

ومع مرور سنة، يبدو أن الاتفاق بات مهدداً بالانهيار في ظل الاتهامات المتبادلة بين لبنان وإسرائيل بعدم تطبيق التفاهمات والبنود المتفق عليها، فتل أبيب تتهم بيروت بعدم التعامل بجدية مع وعودها بنزع سلاح “حزب الله”، فيما بيروت تعتبر أن عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس على الحدود واستمرار الاستهدافات هو خرق للتفاهمات.

المرحلة المجهولة

وفق مصادر وزارية لبنانية، فإن قرار الحرب من جانب إسرائيل متخذ وكان المسؤولون اللبنانيون قد أبلغوا به قبل أسابيع وأن عودة الحرب باتت وشيكة، إلا أن تلك المصادر تكشف أن لبنان استفاد من عدة عوامل لتأجيلها، ومنها زيارة بابا الفاتيكان لاوون الرابع عشر المرتقبة إلى بلاد الأرز في بداية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وأيضاً تمديد أميركا “المهلة” للمسؤولين اللبنانيين لحسم أمرهم، وبالتالي أجلت الحرب إلى بداية العام المقبل بعد تجديد الوعود اللبنانية بتحرك نوعي وشيك يسهم في تسريع حصر السلاح وكذلك إعلان الرئيس جوزاف عون الاستعداد للانخراط في جولات تفاوض مع إسرائيل، وإن بشكل غير مباشر.

وبالتالي، الوقائع تشير إلى أن الشهر الوحيد المتبقي من عام 2025 سيكون حاسماً بشكل كبير، وقد يشهد عودة الحرب الإسرائيلية.

وسط هذا المشهد، يبدو عام الهدنة كأنه فترة استراحة قبل العاصفة. كل المعطيات تؤكد أن الهدوء هشّ، الاتفاق يتآكل، والثقة بين الأطراف مفقودة، والوقت يضيق سريعاً. وإذا لم ينتج الداخل أو الخارج تسوية جديدة خلال الأسابيع المقبلة، فقد يجد لبنان نفسه عند بداية 2026 أمام خيارين لا ثالث لهما سلام مفروض بتسوية دولية، أو حرب مفروضة بميزان القوة.

بنية الاتفاق المهتز

اتفاق وقف إطلاق النار، والذي وقع في 26 نوفمبر 2024 من قبل الحكومة اللبنانية حينها برئاسة نجيب ميقاتي وإسرائيل بوساطة أميركية فرنسية، ظهر في لحظته الأولى كخريطة طريق شاملة لإنهاء سنوات من المواجهة المفتوحة في الجنوب. تضمن التزامات متوازية منها انسحاب إسرائيلي كامل من المناطق التي دخلتها خلال الحرب التي بدأت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، انتشار الجيش اللبناني و”اليونيفيل” إلى كامل الخطوط الجنوبية، بدء عملية جدية لحصر السلاح بيد الدولة، وإطلاق مسارات تفاوض لترسيم النقاط الحدودية البرية. رافقت ذلك وعود دولية بإعادة إعمار المناطق المتضررة وإطلاق ورشة إنقاذ اقتصادي للبنان مقابل التقدم في ملف السلاح.

غير أن الاتفاق حمل أيضاً بنداً غير مكتوب لكنه كان الأكثر تأثيراً وهو “حرية الحركة” الممنوحة لإسرائيل لضرب أي هدف تعتبره تهديداً خلال المرحلة الانتقالية، وهو البند الذي أعلنه سياسياً حينها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليلة إعلان الاتفاق، ما شكل عملياً الغطاء السياسي لحملة الاستهدافات التي لم تتوقف على مدار العام.

تنفيذ جزئي هش

على الأرض، نفذ لبنان الجزء المتعلق بالجنوب فقط. فالتقارير الأمنية تؤكد نشر الجيش اللبناني نحو 10 آلاف عنصر في مناطق لم يكن قادراً على دخولها سابقاً، وأقام نقاط مراقبة جديدة، ونسق بشكل دائم مع قوات حفظ السلام الدائمة، فيما أعلنت الحكومة اللبنانية أن الجيش سيطر على 85 في المئة من مواقع “حزب الله” في جنوب نهر الليطاني بالتنسيق مع اللجنة الدولية الخماسية (الميكانيزم) التي تشكلت لمراقبة تنفيذ الاتفاق، وهي تضم لبنان وإسرائيل وأميركا وفرنسا و”اليونيفيل”.

أما البنود الأكثر حساسية، وتحديداً مسار تفكيك بنية الحزب العسكرية خارج الجنوب، فلم تتحرك قيد أنملة، وفق متابعين.

والنقطة التي ينطلق منها هؤلاء هي أن الدولة اللبنانية قدمت خطابات سياسية حول حصرية قرار الحرب والسلم، لكنها لم تدخل فعلياً في المرحلة التنفيذية، سواء لأسباب سياسية داخلية أو خوفاً من انفجار داخلي في حال محاولة فرض نزع السلاح بالقوة.

في المقابل، لم تتعامل إسرائيل مع وقف النار كاتفاق نهائي، بل كمرحلة انتقالية مشروطة. حافظت على وقف الحرب الشاملة، لكنها استمرت في عمليات دقيقة ومكثفة، منفذة آلاف الغارات، مئات الاغتيالات، توغلات برية متكررة، ورصد استخباري متواصل، توج أخيراً باغتيال الطبطبائي، الشخصية التي بقيت بعيدة من الأنظار لعقود ونجت من محاولات اغتيال عدة في السابق.

ومن وجهة المسؤولين الإسرائيليين، هذا التطبيق هو “تنفيذ للاتفاق” وليس خرقاً له، لأن الاتفاق أعطاهم الحق في العمل عسكرياً إلى حين اكتمال نزع السلاح.

حسابات تل أبيب

وفق الصحافة والتصريحات الرسمية الإسرائيلية، فإن اتفاق 27 نوفمبر 2024 ليس سوى أداة للوصول إلى الهدف الحقيقي وهو تفكيك القدرات العسكرية لـ “حزب الله”، وإزاحة ما تعتبره تل أبيب تهديداً إيرانياً على حدودها الشمالية.

وفي تقييمهم، الحرب السابقة لم تحقق الحسم، لكنها أسست لمرحلة جديدة من الضغط المستمر.

لذلك، طيلة العام الماضي ركزت إسرائيل على مسارين متوازيين: توجيه ضربات متواصلة تستهدف كوادر الحزب ومخازن السلاح والبنية اللوجستية، وتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والدولي لجولة حرب جديدة في حال فشل المسار السياسي. ولهذا، كانت تل أبيب واضحة في خطابها بأنه إذا لم تباشر الدولة اللبنانية بنزع السلاح في كل الأراضي اللبنانية، فإن إسرائيل ستقوم بالمهمة بنفسها.

اللافت هو أن الحكومة الإسرائيلية تستند إلى “الصبر الدولي” الذي بدأ ينفد، وكذلك إلى المهلة الأميركية، التي تنتهي نهاية 2025، وهي تمثل وفق مراقبين اللحظة الحاسمة قبل الانتقال إلى عملية عسكرية واسعة.

ووفق معلومات متقاطعة، فإن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي جمع خلال العام الأخير أهدافاً جديدة تعتبر الأكثر دقة منذ سنوات، بالتنسيق مع الجانب الأميركي الذي دخل بدوره على خط “الخريطة المالية” للحزب لشل مصادر تمويله وإضعاف قدرته على إعادة بناء نفسه.

هذا المناخ يفسر لماذا تعتبر الاستهدافات الإسرائيلية المتتالية، على رغم كثافتها، جزءاً من “استراتيجية الاستنزاف” التي سبقت عملياً أي حرب كبرى في تاريخ المنطقة.

أزمة الدولة اللبنانية

لبنان الرسمي وجد نفسه بين ضغوط داخلية خانقة وضغوط دولية غير قابلة للتأجيل. من جهة، يطالب المجتمع الدولي الدولة اللبنانية بخطوات ملموسة في ملف السلاح، ويربط أية مساعدة اقتصادية أو دعم سياسي بالتقدم في هذا الملف. ومن جهة أخرى، لا يستطيع أي طرف داخلي، حتى القيادة السياسية الجديدة ممثلة بالرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، الدخول في مواجهة مباشرة مع “حزب الله”، لا سياسياً ولا عسكرياً. لذلك، تحاول الدولة اعتماد سياسة “التدرج” عبر تحسين انتشار الجيش، تعزيز التنسيق مع “اليونيفيل”، فتح قنوات تفاوض غير مباشر حول الحدود، وتقديم خطاب سيادي عالي اللهجة، لكن من دون الذهاب إلى أي خطوات ميدانية مستفزة للحزب، الذي يرفض بشكل قاطع أي نقاش في نزع سلاحه.

“حالة رابعة”

وفي مقاربة شاملة للمشهد اللبناني بعد عامٍ كامل على وقف الحرب، يشير العميد المتقاعد يعرب صخر، إلى قراءة مزدوجة للمسار الذي سلكته البلاد، الأول يتعلق بـ “حزب الله” وتحولاته البنيوية، والثاني يتناول أداء العهد الجديد الذي جاء بعد الحرب وتوقع اللبنانيون منه مرحلة مختلفة بالكامل.

يستعيد صخر مقارنة تاريخية ضرورية، ويقول “بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، تمكن الحزب من بناء قوّته من دون أي احتكاك عسكري مباشر. الهدنة غير المعلنة، التي تم تثبيتها بوساطات ألمانية حينها، سمحت للحزب بترسيخ معادلة ردع وفرت له الوقت والغطاء. ثم جاءت حرب يوليو (تموز) 2006، وبعد 33 يوماً من المواجهة، عاد الحزب ليضاعف ترسانته أضعافاً مضاعفة، وصولاً إلى ما يقارب 150 ألف صاروخ و100 ألف مقاتل، ما جعل دوره يتجاوز حدود لبنان إلى إطار إقليمي صريح”.

ويتابع أن التحول الفاصل بدأ بعد 7 أكتوبر 2023، فالضربة التي تلقّتها إسرائيل في غزة دفعتها إلى إعادة صياغة عقيدتها العسكرية، واتخاذ قرار استراتيجي بإنهاء مفعول “حزب الله” الإقليمي، ووفق صخر، فقد نجحت إسرائيل خلال حرب 2024 في تحطيم ما بين 80 و90 في المئة من قدرات الحزب، بما أعاد رسم دوره وحدود نفوذه. ويضيف أن المرحلة الحالية تمثل “حالة رابعة”، تعمل فيها إسرائيل على فصل الحزب عن إيران عبر استهدافات جراحية يومية قد تتطور لاحقاً إلى عملية واسعة تنهي وجوده العسكري بشكل كامل.

ويرى أن هذه التطورات قادت إلى انتقال الحزب من موقع القوة والهيمنة، إلى حالة “الضعف والوهن”، وأنه اليوم يحاول فقط الحفاظ على مكاسبه السياسية في الدولة، بعدما خسر دوره الإقليمي، وبات يتحضر بحسب تقديره لـ “الضربة النهائية”.

لكن المفارقة الكبرى، كما يقول صخر، كانت في أداء السلطة الجديدة. فبدل استثمار اللحظة التاريخية لتحرير الدولة، بدا وكأنها تعيد إنتاج النموذج ذاته. ويوجه العميد صخر انتقاداً مباشراً لرئيس الجمهورية الذي عُلق عليه الكثير من الآمال، لكنه كما يرى لم يواجه الميليشيات، بل “أعاد لها الاعتبار”، على حد قوله.

ويستعرض صخر أمثلة من الواقع، ومنها التفاف الرئاسة الأولى على دور رئيس الحكومة، التنسيق المستمر مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، التحكم بالتعيينات العسكرية والقضائية والدبلوماسية، ويشير إلى أن السلطة التنفيذية بدت عاجزة عن تنفيذ أي قرار تصدره، لأن مراكز النفوذ أعادت تثبيت قبضتها داخل الأجهزة المفترض أن تضمن تطبيق السياسات العامة.

ويعتبر أن هذا الأداء أدى إلى تمييع القرارات الخاصة بنزع السلاح، فالقرار الذي صدر عن الحكومة في الخامس من أغسطس (أب) الماضي، الذي أكد نية الحكومة حصر كل السلاح بين الدولة وشكل بارقة أمل، جرت فرملته بالكامل في جلسة الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، الذي حصر التنفيذ في جنوب الليطاني فقط، من دون جدول زمني ولا مراحل واضحة. ثم ظهرت مفاهيم جديدة مثل “حصر السلاح” و”احتواء السلاح”، في تراجع واضح عن الهدف الأصلي وهو تطبيق القانون ونزع السلاح غير الشرعي.

ويختم العميد صخر مداخلته بتحذير واضح، ويقول “إذا كانت السلطة اللبنانية غير قادرة على نقل البلاد من الدويلة إلى الدولة، فإن القوى الدولية وفي مقدمها إسرائيل ستتولى هذه المهمة، بعدما فقد المجتمع الدولي والإقليمي الثقة بالقيادة اللبنانية”.

الاتفاق لم يُنفذ حتى الآن من أي طرف 

بالأرقام يكشف الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أنه منذ 27 نوفمبر 2024 وحتى 27 نوفمبر 2025، سقط 340 قتيلاً بعمليات إسرائيلية و977 جريحاً، فيما إسرائيل سجلت أكثر من 7500 خرق جوي و2500 انتهاك بري.

 يضع العميد المتقاعد جورج نادر من جانبه اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي توصلت إليه الحكومتان اللبنانية والإسرائيلية قبل نحو عام، بوساطة أميركية وفرنسية، في موقع محوري ضمن المشهد الأمني والسياسي الراهن. فالاتفاق كما يشرحه يقوم على وقف شامل للنار من الجانبين، ووقف أي نشاط عدائي، ويُفترض أن يمهد لتطبيق كامل القرار 1701 وسلة القرارات الدولية المرتبطة به، وعلى رأسها 1559 و1680. غير أنه يرى أن هذا الاتفاق لم يُنفذ حتى الآن من أي طرف، ما أبقى الوضع جنوب لبنان معلقاً بين هدنة غير مكتملة وواقع ميداني متفلت.

يؤكد أن جوهر الاتفاق يرتبط بإعادة الاعتبار للدولة اللبنانية على الحدود الجنوبية، عبر حماية الحدود البرية والبحرية، ومنع التهريب، وتفكيك البنى التحتية للجماعات المسلحة، ولا سيما جنوب الليطاني، وصولاً إلى إعادة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي، وحصر السلاح بيد الشرعية والقوات الدولية في الجنوب. لكن الواقع كما يشير لا يزال بعيداً من هذه المنطلقات. فالسلاح ما زال منتشراً جنوب الليطاني، والأنفاق والمواقع العسكرية عادت إلى الواجهة، فضلاً عن استمرار “حزب الله” بالاحتفاظ بترسانته في مختلف المناطق اللبنانية، على رغم كل ما نصّت عليه القرارات الدولية منذ عام 2006. ويذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أن السلاح لم يعد يملك “وظيفته الإقليمية” السابقة، بعدما تراجعت بيئة الدعم الاستراتيجي للحزب في سوريا والعراق، وتغيّرت الظروف التي كانت تمنحه دوراً عابراً للحدود. هذا التراجع جعل الحزب في موقع دفاعي، وولد داخله شعوراً بأن زمن الهيمنة الإقليمية بدأ ينتهي.

الاختراقات الإسرائيلية للمواقع الحساسة

في سياق تقييمه للوضع الأمني، يتوقف نادر عند ما يسميه “الاختراقات الإسرائيلية للمواقع الحساسة”، موضحاً أن ما ظهر من نتائج يشير إلى قدرة إسرائيل على الوصول إلى مستويات داخلية دقيقة، وهو أمر لا يمكن لأي تنظيم أن يتحمله. ويرى أن هذه الاختراقات ليست فقط نتاج التكنولوجيا، بل أيضاً نتيجة مسارات داخلية في الدائرة الضيقة، في إشارة إلى اهتزاز داخل بنية الحزب نفسها.

ويعتبر أن “حزب الله” اليوم يقف في وضع مختلف جذرياً عما كان عليه في العقدين الماضيين، بحيث لا قوة عسكرية أو معنوية بالمستوى الذي عرفه سابقاً، ولا حلفاء محليون، ولا عمق إقليمي، ولا غطاء دولي. وبناءً على ذلك، يرى أن الحزب يتجه إلى استخدام ما تبقى من قوته العسكرية للضغط السياسي في الداخل اللبناني، بهدف تعويض ما خسره خارجياً.

وفي قراءته لأهداف الحزب السياسية، يشير إلى سعيه لإحداث تغييرات داخل المؤسسات الكبرى، وعلى رأسها استحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية، ليصبح موقعاً احتياطياً يضمن نفوده في حال شغور الرئاسة، إضافة إلى محاولة ترسيخ نفوذه في الجيش، ولا سيما في قيادة المؤسسة العسكرية وشعبة المخابرات والأجهزة الأمنية.

ويرى أن الحزب يدرك تماماً أن دوره الإقليمي تقلص، وأن قدرته على فتح جبهة مع إسرائيل باتت شبه معدومة. وأي رد عسكري اليوم، كما يؤكد، سيضع لبنان أمام أثمان كارثية لا يمكن احتمالها، ما يجعل الحزب مضطراً في رأيه إلى تحويل المعركة إلى الداخل السياسي، في محاولة للحفاظ على مكاسب لا يستطيع الدفاع عنها عسكرياً بعد الآن.

“حزب الله”: التزمنا وإسرائيل لم تفعل

الحزب بدوره دافع في غالبية تصريحاته خلال الأشهر الماضية عما قال إنه “التزام” كامل من قبله باتفاق 27 نوفمبر الماضي، فيما إسرائيل هي التي لم تلتزم بما اتفق عليه ولا تزال تستبيح لبنان يومياً وترفض الخروج من المناطق التي تحتلها.

الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم كان قال في خطاب له قبل أسابيع إن الحزب والدولة اللبنانية التزما بشكل كامل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين بيروت وتل أبيب، مقابل ارتكاب الأخيرة آلاف الخروقات منذ أشهر، وقال “نحن مستمرون بتلقي هذا العدوان”.

كذلك نشر الحزب قبل أسبوعين بياناً جاء فيه “الوقائع أكدت التزام لبنان والحزب ضمناً بشكل صارم بمضمون إعلان وقف إطلاق النار مع إسرائيل… لكن الاحتلال واصل خروقاته غير آبه لكل الدعوات له إلى الكف عن الممارسات العدائية”.

عام على الهدنة “الكاذبة” في لبنان: كل الطرق تقود إلى الحرب .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print