العدوّ

حدود-لبنان-واسرائيل

كثُر الحديث مؤخرًا عن تعبير “العدّو الإسرائيلي” وقيل بأن وروده في بيان قيادة الجيش تسبّب بردّة فعل أميركية، بينما تزخر الأدبيات السياسية الرسمية منذ التسعينات بهذا النوع من التعابير، ما يستدعي إجراء مقاربة قانونية ضرورية مع تصاعد الحديث عن التفاوض مع اسرائيل وأشكاله ومآلاته.

بدايةً لا بدّ من القول بأن لبنان ليس في حالة حرب بالمعنى القانوني، فعلى الرغم من أنه في الواقع هناك أعمال حربية مع إسرائيل أو أعمال عدائية من جانب إسرائيل التي تدّعي ممارستها الردّ على أعمال عسكرية تأتيها من الأراضي اللبنانية، إلّا أن الهجمات تلك شنّتها منذ ستينات القرن الماضي وحتى الأمس القريب جماعات لا تدخل في إطار القوى المسلحة الشرعية، والدولة اللبنانية وإن قبلت بتلك الأعمال سواء بتوقيعها اتفاقية القاهرة أو ببياناتها الوزارية، فإنه لا يوجد من الجانب اللبناني قرار من السلطات الدستورية المختصّة، أي الحكومة ومجلس النواب، بإعلان الحرب على دولة إسرائيل، ولمن يرغب يمكنه مراجعة الأرشيف الرسمي لدى الوزارات المعنية بالقانون الدولي وتحديدًا وزارة الخارجية والمغتربين.

الحرب التي اشترك فيها الجيش اللبناني ضد إسرائيل في العام 1948 (النكبة) كانت في إطار استجابة لبنان كعضو في جامعة الدول العربية لمقررات الجامعة ذات الصلة، ولم يسبقها أي إعلان للحرب بالمعنى الدستوري. وقد تلا تلك الحرب توقيع لبنان وإسرائيل اتفاقية “الهدنة الدائمة” في جزيرة رودس في العام 1949 تنفيذًا لقراري مجلس الأمن الدولي 61 و62 المتخذين تحت الفصل السابع.

اتفاقية الهدنة التي تمّ شرح أهميتها في أكثر من مقال، توقفت الاعتداءات منذ نفاذها وحتى انطلاق أعمال الفصائل الفلسطينية من الأراضي اللبنانية بعد حرب العام 1967، (وما يقال عن مجزرة حولا لا يصحّ لأنها حصلت في 31/10/1948 وقبل الاتفاقية).

أهميتها أنها تتضمن إقرار الجانب الإسرائيلي بالحدود الدولية وتفرض الانسحاب إليها، وتتحدث عن منطقة عازلة من الجانبين، والأهم أنها تحدّد الغاية النهائية منها وهي “تسهيل الانتقال من المهادنة الحالية إلى سلم دائم”، وتنص على أنها تبقى نافذة حتى الوصول إلى تسوية سلمية بين الفريقين(المادة الثامنة).

التسوية السلمية هي غاية الاتفاقية، وموادها النافذة تشكل المرجعية القانونية الصلبة التي على لبنان التمسّك بها والانطلاق منها في أي تفاوض قادم مهما كانت طبيعته. والوضع القانوني الراهن بين الدولتين ليس حربًا وليس سلمًا بل هدنة دائمة تستمر حتى التوصل إلى تسوية سلمية.

الدستور لا ينص على تحديد عدوّ كما يشاع، وليس ذلك من شأنه، لأنه النص الذي يضع أسس الدولة وحقوق المواطنين وينظّم السلطات. وقانون العقوبات يُجرّم دخول أرض العدوّ ولكنه لا يحدّد من هو العدوّ. أما النص القانوني الوحيد الذي يسمّي إسرائيل هو “قانون مقاطعة إسرائيل” الذي صدر في العام 1955 تنفيذًا لقرارات جامعة الدول العربية التي أقرّت نظام المقاطعة الاقتصادية، ولكنه لا يصفها بالـ “عدوّ”.

(وهو قانون لو طبّق جديًا لتوجب على الدول العربية منع دخول معظم السلع والمنتجات الأجنبية من الشركات العالمية التي تتعامل تجاريًا مع إسرائيل ولتوجّب عليها وعلى لبنان ألّا يستقبل مواطني دولة إسرائيل ويجري معهم المحادثات على أعلى المستويات كما حصل مع المبعوث السابق الأميركي الإسرائيلي الجنسية عاموس هوكشتاين.)

أما عبارات العدوّ الإسرائيلي والكيان الصهيوني وغيرها، فهي عبارات سياسية من أدبيات الأنظمة العسكرية الانقلابية التي قامت على شعارات تحرير فلسطين واستعاضت عن ذلك بخطاب تعبويّ عالٍ كتعويض عن شرعيّة مفقودة، ومن شعارات الأحزاب العقائدية التي ازدهرت في مرحلة الصراع الخطابيّ، الذي انتهى وانتهت معه أدوارها.

العدوّ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print