حفلت وسائل الإعلام في الأسابيع الماضية بتقارير عن عودة “حزب الله” إلى تسليح نفسه والحصول على التمويل، معتمداً طرقاً وأساليب مختلفة عن تلك التي كان يلجأ إليها قبل سقوط نظام الأسد في سوريا. ولم تقتصر هذه التقارير على وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، بل نُسب بعضها إلى مسؤولين أميركيين، تحدّثوا عن عمليات إعادة تسليح، فيما كشفت الخزانة الأميركية عن حصول “الحزب” خلال العام الحالي على ما يقارب المليار دولار من إيران.
وفيما كانت الأسلحة والصواريخ تدخل إلى لبنان من إيران بكل حريّة عبر الأراضي السورية قبل سقوط نظام الأسد، فإنّ خسارة الممرّ السوري الآن، جعلت “الحزب” يلجأ إلى سبل أخرى، منها تهريب بعض الأسلحة عبر المرافئ البحرية أو من خلال طرق تهريب سورية ما زالت تعمل، على رغم ضعفها، حسب ما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وهناك بعض الفصائل المحلّية في سوريا أو مجموعات تهريب يمكنها إدخال كمّيات صغيرة، ولكن بوتيرة متكرّرة، حتّى لا يتمّ كشفها. كما أفادت تقارير بأنّ فصائل مدعومة من إيران تحتفظ بمستودعات قريبة من الحدود اللبنانية، يتم نقل معدات منها عند الحاجة في شكل تدريجي. كما يجري نقل مكوّنات منفصلة، كالقطع الإلكترونية، وأجزاء من طائرات مسيّرة ومعدّات صناعية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ “الحزب” يعتمد على التصنيع المحلّي لبعض الأنواع من السلاح المنخفض التكلفة والذي يسهل تجميعه، مثل الطائرات المسيّرة، والذخائر والصواريخ القصيرة المدى وأجهزة اتصالات، وقطع إلكترونية لتوجيه الأسلحة. وهذا التطور يقلّل الحاجة إلى شحنات كبيرة، يمكن كشفها بسهولة أكبر.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ اجهزة الاستخبارات رصدت في الأسابيع الأخيرة تصاعداً في إعادة التسلّح، إضافة إلى إجراء تدريبات ونقل أسلحة وتأهيل الأنظمة التشغيلية والمالية لـ “الحزب”، فيما تحدّثت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن قيام “الحزب” بتجنيد مقاتلين جدد واستعادة مواقع وقواعد تابعة له. وأشارت إلى أنّ معظم جهود التسليح تجري شمال الليطاني.
وتمكّن “الحزب”، حسب تقرير لصحيفة “لو فيغارو” الفرنسية من اعادة هيكلة الجهاز العسكري بإشراف ايراني، بعد وقت قصير نسبيّاً إثر اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، كما بنى هيكلاً عسكري سرّياً بقيادة شابّة، وعمد إلى تقليص التسلسل القيادي، في عودة إلى اساليب العمل السرّي في الثمانينات.
أمّا على صعيد التمويل المستمر، ولو بنسبة أقلّ بكثير من السابق، فقد أشار تقرير لوزارة الخزانة الأميركية إلى أنّ إيران تمكّنت هذا العام من تحويل مليار دولار تقريباً إلى “الحزب”. وقال جون هيرلي وكيل وزارة الخزانة، خلال زيارة على رأس وفد كبير شملت تركيا ولبنان والإمارات وإسرائيل، إنّ معظم التحويلات تجري عبر شركات صرافة، وأنّ الأموال تُستخدم لإعادة دعم الجناح العسكري للحزب وبنيته التحتية.
لذا فرضت وزارة الخزانة عقوبات استهدفت مشغّلي الشؤون المالية في “الحزب”، الذين يشرفون على نقل الأموال عبر صفقات تجارية سرّية، تتضمّن بيع النفط الإيراني وسلع أخرى باستخدام مؤسّسات صرافة مرخّصة وغير مرخّصة.
وأشار بيان وزارة الخزانة إلى أنّ وفاة محمد قصير، الذي فُرضت عليه عقوبات أميركية، وكان يشغل منصب رئيس الفريق المالي للحزب، كان لها تأثير على عملية التمويل. ولكن بعد وفاته في العام 2024، جرى توزيع مهامه بين عدد من الأشخاص، بينهم نجله جعفر محمد قصير، وعلي قصير (ابن شقيقه)، الذي سبق أن فرضت عليه واشنطن عقوبات.
ويتولى جعفر الآن إدارة الفريق المالي، ومحفظة الأنشطة الاقتصادية التي تدرّ عائدات للحزب. وفي منتصف العام 2025، عمل علي وجعفر معًا على استعادة السفينة “أرمان 114″، وهي ناقلة نفط كانت الولايات المتحدة قد منعتها، واحتجزتها السلطات الإندونيسية في العام 2023، وكانت تنقل نفطًا خامًا من أصلٍ إيراني.
ولجعفر قصير ورجل الأعمال السوري ياسر حسين إبراهيم، المقرّب من بشار الأسد والمصنَّف أميركيًا، تاريخٌ من التعاون في بيع النفط والغاز الإيرانيَّين ومنتجات الطاقة الأخرى. وقد تعاونا بانتظام مع أعضاء الفريق المالي للحزب في صفقات تجارية، من بينها تصدير معادن ومواد كيميائية من إيران في منتصف العام 2025 بمشاركة علي قصير وياسر إبراهيم.
وقد كوّن “الحزب” شبكات مالية في أفريقيا وأميركا الجنوبية تجمع الأموال وترسلها إلى لبنان من إيرادات التهريب والتزوير والمخدرات، وهو يستمر في تمويل مؤيّديه، ولو بحجم أقلّ من السابق.
خاص – الطرق التي استحدثها “الحزب” لإعادة التسلّح والتمويل .