كثيرة هي المعاني السياسيّة لوقائع وأبعاد الزيارة التاريخيّة لوليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان لأميركا. ستخضع للاختبار والمراقبة تداعيات ما اتّخذته القمّة بينه وبين الرئيس دونالد ترامب من قرارات وعقدته من اتّفاقات. يتوقّف مَن يتعمّقون في التحوّلات الدوليّة والإقليميّة والمقاربة الجديدة في واشنطن ورؤية الرياض أمام البعد الدينيّ – السياسيّ للزيارة التي ترمز إلى ارتقاء مستوى التحالف المسيحيّ – السنّيّ عالميّاً.
يدعو أحد السياسيّين اللبنانيّين المتابعين عن قرب للمستجدّات في الولايات المتّحدة الأميركيّة وفي الإقليم، إلى مقاربة مفاعيل القمّة الأميركيّة – السعوديّة من زاوية عقائديّة – دينيّة، إضافة إلى معانيها الجيوسياسيّة.
التّحالف المسيحيّ السّنّيّ
ما أعلنه الرئيس دونالد ترامب عن أنّ المملكة العربيّة السعوديّة حليف استراتيجيّ من خارج حلف الناتو العالميّ يتجاوز الصفة الاقتصاديّة والاستثماريّة للاتّفاقات بين الجانبين.
يرى السياسيّ نفسه أنّ رمزيّة التقارب بينهما تعني تحالف أكبر دولة مسيحيّة بروتستانتيّة في العالم مع أهم دولة سنّيّة. يتكامل هذا الحدث مع أحداث أخرى، منها:
زيارة البابا لتركيا
1- سيزور رأس الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم، البابا ليون الرابع عشر تركيا، الدولة السنّيّة الفاعلة والقويّة، في 27 الشهر الجاري، قبل انتقاله إلى لبنان في 30 منه. تكمن الرمزيّة الحضاريّة – الدينيّة في أنّ الحبر الأعظم سينتقل إلى إسطنبول، القسطنطينيّة، التي كانت في التاريخ عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة ثمّ عاصمة الإمبراطوريّة العثمانيّة. في هذه الزيارة يمتزج البعدان السياسيّ والدينيّ. سيلتقي بطريرك القسطنطينيّة للروم الأرثوذكس برثلماوس الأوّل في إسطنبول، في رسالة عن مواصلة التقارب بين الكنيستين الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.
سيزور أيضاً مدينة نيقية (إزنيق حاليّاً) في ذكرى انعقاد أوّل مجمع مسكونيّ في تاريخ المسيحيّة قبل 1,700 عام، أُطلقت فيه أسس القواعد الإيمانيّة للدين المسيحيّ. يعزّز الفاتيكان مع هذه الزيارة ما تسعى القيادة التركيّة إلى تكريسه، وهو أنّ أرضها موئل تاريخيّ لتعايش الأديان. وعلى الرغم من انتماء حكم رجب طيّب إردوغان إلى تيّار “الإخوان”، قام بتطويع هذا الانتماء وفق مقتضيات التعايش والتحالف مع الغرب المسيحيّ. ومن إجراءاته البعيدة عن الضجيج، في السنوات الماضية، إعادة أملاك المسيحيّين التي صودرت إبّان السلطنة العثمانيّة.
الحاكم السّنّيّ لسوريا يحارب الإرهاب
2- سبق قمّة ترامب – بن سلمان استقبالٌ تاريخيّ في واشنطن لرئيس سوريا الجديدة أحمد الشرع، الذي ترمز قيادته إلى استعادة السنّة في بلاد الشام دورهم الرئيس فيها وفي إدارة شؤونها بعد خمسة عقود من تهميشهم. خلال هذه الزيارة دخلت سوريا التحالف الدوليّ بقيادة أميركيّة لمحاربة “داعش” والإرهاب. وبات الشرع، الآتي من رحم التشدّد السنّيّ في “القاعدة” وفروعها الداعشيّة المتنوّعة، شريكاً في مقاومة النسخة الدمويّة للإسلام السياسيّ.
تحوُّل واشنطن عن عقيدة أوباما
علاوة على الرمزيّة الروحيّة والدينيّة لهذه الأحداث، تأخذ الرمزيّة السياسيّة الحدث إلى استنتاجات جوهريّة. يعتبر السياسيّ اللبنانيّ المتابع عن قرب لتطوّرات المسرح السياسيّ الأميركيّ أنّ واشنطن تنتقل باندفاع من عقيدة الرئيس الأسبق باراك أوباما القاضية بالاعتماد على التعاون مع إيران باسم إقامة توازن مع الأرجحيّة السنّيّة في الإقليم، إلى سلوك مناقض تماماً. تتحوّل من سياسة المراهنة على تيّارات الإسلام السياسيّ السنّي المتشدّد في الحكم، أي “الإخوان المسلمين” كما حصل في عهد أوباما – هيلاري كلينتون، إلى الإسلام المعتدل. واتّفق أن تتّخذ ولايات أميركيّة عدّة تدابير عقابيّة حيال تنظيم “الإخوان” في الأيّام الماضية، آخرها بين إجراءات أخرى اتّخذتها ولاية تكساس قبل يومين حظرُ حقّ التملّك العقاريّ على المنتمين للتنظيم.
يسأل السياسيّ نفسه: أين إيران والقيادة الشيعيّة من هذه التطوّرات؟ وما تأثير ذلك على الحلف الاستثنائيّ الأميركيّ – الإسرائيليّ؟ وكيف يتلقّف لبنان المأزوم والمكسور الجناح بفعل التأثير الإيرانيّ فيه هذه التحوّلات الكبرى؟
تخبّط إيران
يمكن تسجيل الآتي في صدد هذه الأسئلة:
1- تتحسّس طهران طريقها البديل بعد فشل طموح الملالي فيها العقائديّ – السياسيّ إلى قيادة العالم الإسلاميّ، إثر الضربات التي تلقّتها. تغلِّب حالة الإنكار لدى حكّامها التخبّط على التكيّف. تسلّم بالوساطة السعوديّة لرسم مسار تموضعها. لم يعُد من العبث أن يبعث الرئيس مسعود بزشكيان رسالة إلى الأمير محمّد بن سلمان عشيّة زيارته واشنطن. فحواها، كما لمّح إليه ترامب وبن سلمان: إبداء الاستعداد للتفاوض.
لكنّ الإشارات الآتية من طهران متناقضة بين ما يقوله بزشكيان وما يعلنه المرشد علي خامنئي وقادة “حرس الثورة” عن التفاوض في الملفّ النوويّ وتخصيب اليورانيوم، البرنامج الصاروخيّ والدور الإقليميّ. وهذا ما أوقع تصريحات وزير الخارجيّة عباس عراقجي نفسه في التناقض حيال التفاوض وعدمه.
يعكس استعراض مفاعيل الاتّفاقات الأميركيّة – السعوديّة في الإعلام الإيرانيّ تسليماً بأنّ الرياض تلعب دور الوسيط:
– صحيفة “جهان صنعت” الاقتصاديّة: ترى أنّ الإدارة الأميركيّة “الساعية إلى خفض التوتّر بالمنطقة وضمان الاستثمارات السعوديّة الضخمة، تدرك أنّ استقرار الأسواق والطاقة يحتاج إلى تهدئة مع إيران”.
– علي بيكدلي في “آرمان ملّي”: “الجمود وعدم اتّخاذ القرار ينعكسان مباشرة على حياة الناس ومعيشتهم… والرسالة إلى بن سلمان تعزّز الحاجة إلى مسار تفاوضيّ جديد”.
– صحيفة “القدس” الأصوليّة: “إيران ستجد نفسها أمام وابل من القرارات والضغوط التي قد تعصف بفرصها الاقتصاديّة الضعيفة إذا لم تغيّر طريقة تعاملها”.
2- تأخّر لبنان في الانسجام مع الجار السوريّ الجديد. ظلّت قيادات مسيحيّة وشيعيّة فيه خائفة من التطرّف السنّيّ في دمشق، في حين أنّ الحكم الجديد هو الذي سيواجه الإرهاب السنّيّ.
3- بنيامين نتنياهو أكثر الخائفين من التحالف الجديد. ردّه الأوّل كان زيارته جنوب سوريا لتكريس احتلاله الشريط العازل.
تحالف ترامب – بن سلمان يُسقط عقيدة أوباما .