في سابقة.. لماذا قاطع ترامب قمة العشرين؟

ترامب-91

افتُتِحَت في جوهانسبرغ أول قمة لمجموعة العشرين تُعقد على أرض أفريقية، السبت، وسط غياب لافت للولايات المتحدة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاطعة الاجتماعات بالكامل، في خطوة غير مسبوقة تعكس توتراً سياسياً عميقاً مع الدولة المضيفة، جنوب أفريقيا، واتساع الهوة بين واشنطن وبقية الاقتصادات الكبرى بشأن ملفات المناخ والتنمية.

اتهامات “اضطهاد البيض”
فقد بدأت الأزمة علناً عندما اتهم ترامب حكومة جنوب أفريقيا بـ”اتباع سياسات عنصرية ضد البيض” و”اضطهاد الأقلية الأفريكانية”، في تصريحات اعتمدت روايات غير دقيقة وسرعان ما رُفضت من الأمم المتحدة وعدد من الحكومات الغربية.

وذهب ترامب أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن حضور بلاده القمة يعد بمثابة “إضفاء للشرعية على نظام يمارس التمييز”، ما دفعه إلى إصدار أمر رئاسي بمقاطعة القمة تماماً، بما في ذلك منع أي مسؤول أميركي رفيع من المشاركة.

ورغم أن الولايات المتحدة لم تقدّم أدلة رسمية تُثبت هذه المزاعم، فإن القرار السياسي شكّل ذروة خلاف طويل بين واشنطن وبريتوريا حول ملفات المناخ، والديون، وقضايا الحكم العالمي.

صدام مع أجندة جوهانسبرغ
وبوصفها الدولة المضيفة، وضعت جنوب أفريقيا جدول أعمال ركّز على أربعة محاور رئيسية، هي: مضاعفة التمويل الموجه لدعم الدول الفقيرة في مواجهة الكوارث المناخية، وخفض أعباء الديون على الاقتصادات النامية، وتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، فضلا عن ضمان استفادة الدول الأفريقية من ثرواتها من المعادن الحيوية.

لكن هذه الأولويات اصطدمت مباشرة بالمواقف الأميركية الجديدة. فقد وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أجندة القمة بأنها “منشغلة بقضايا التنوع والمناخ أكثر من مصالح دافعي الضرائب الأميركيين”، معلناً في فبراير الماضي مقاطعة اجتماعات وزراء الخارجية قبل القمة.

وترى واشنطن أن التركيز المفرط على المناخ “ينحرف” بالمجموعة عن دورها الاقتصادي، فيما تتحدث دول الجنوب العالمي عن “لحظة تاريخية” لتحقيق تكافؤ اقتصادي، الأمر الذي زاد التباعد بين الجانبين.

تداعيات الغياب الأميركي
في حين مثل غياب الولايات المتحدة -أكبر اقتصاد في العالم وأحد مؤسسي المجموعة- ضربة كبيرة لمسار القمة للأسباب التالية:

1- إضعاف الإجماع الدولي:
حيث إن القمة تعمل على مبدأ الإجماع الكامل، وغياب واشنطن يسهم في تعقيد الوصول إلى إعلان ختامي موحد. وتقول مصادر دبلوماسية إن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على جنوب أفريقيا لتجنب إصدار بيان رسمي في غيابها، ما أثار رد فعل غاضب من الرئيس سيريل رامافوزا الذي أكد: “لن نُبتز… وسنصدر إعلاناً بمن حضر”.

2- إعادة توجيه دور المجموعة:
كما أن ما يجعل القمة أكثر حساسية أنها تأتي قبل أسابيع من تسلّم الولايات المتحدة الرئاسة الدورية للمجموعة. ويخشى مراقبون أن تعمل إدارة ترامب على “نسف” الزخم المتعلق بالمناخ والتنمية، خصوصاً بعد إعلان أن قمة العام المقبل ستُعقد في منتجع دورال المملوك لترامب في فلوريدا.
3- فراغ قيادي تستفيد منه قوى أخرى
وأفسح غياب واشنطن المجال أمام كل من الاتحاد الأوروبي لتبني موقف أكثر جرأة بشأن المناخ، والصين لإعادة تقديم نفسها بوصفها “حليف الجنوب العالمي”، والهند والبرازيل للدفع نحو إصلاحات مالية تخدم الاقتصادات النامية. وبحسب دبلوماسيين، فإن “الولايات المتحدة تركت مقعدها فارغاً، والقوى الأخرى تسعى لملئه بسرعة”.

هل يؤثر الغياب على نتائج القمة؟
لكن رغم التشاؤم الأولي، نجح المفاوضون في صياغة مسودة إعلان دون مشاركة أميركية، وهو أمر وصفته واشنطن بأنه “تصرف مخجل”. وتشير التقارير إلى أن نص الإعلان احتوى على إشارات واضحة إلى الطاقة المتجددة والمناخ، رغم اعتراضات واشنطن.

ويرى خبراء أن غياب الولايات المتحدة “لن يمنع تقدم النقاشات”، لكنه سيجعل أية قرارات ضعيفة التنفيذ نظراً لثقل الاقتصاد الأميركي في تمويل التحول الأخضر وإعادة هيكلة الديون.

وفي النهاية فإن مقاطعة ترامب لقمة العشرين ليست خطوة معزولة، بل تعكس تحوّلاً عميقاً في السياسة الخارجية الأميركية، ورغبة في إعادة تعريف دور الولايات المتحدة في النظام الدولي. ورغم أن القمة مستمرة، إلا أن مقعداً واحداً ظل شاغرا… وكان الأكثر تأثيراً.

في سابقة.. لماذا قاطع ترامب قمة العشرين؟ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print