– عون: لبنان طلب من الدول الصديقة المساعدة في الضغط على إسرائيل لالتزام اتفاق 27 نوفمبر ولكن حتى الآن لم نصل إلى نتيجة إيجابية
– قاسم نَسَف مبدأ التفاوض وكرّس حصْرَ اتفاق 27 نوفمبر بجنوب الليطاني وهكذا «طمأن» المستوطنات فـ «لا مشكلة على أمنها»
بلغةِ «من الآخِر»، رَسّمَ الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم موقفَه من مسار الضغوط الاسرائيلية والأميركية المتوازية، عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً، لتسريع سَحْبِ سلاح الحزب والتي تترافق مع إعداد المسرح لمفاوضاتٍ تريدها واشنطن بين بيروت وتل أبيب لتكون ممراً لـ «اتفاق 27 نوفمبر +» في ضوء اعتبار بنودِ وَقْفِ العمليات العدائية الذي عَلَّقَ «حرب لبنان الثالثة» غير كافية لضمانِ قفل هذه الجبهة «لمرة واحدة وأخيرة».
وتولّى قاسم في إطلالته عصر اليوم الثلاثاء، لمناسبة «يوم الشهيد» التي أحياها الحزب، تثبيت خطّيْن أحمريْن متداخليْن، بديا برسْم لبنان الرسمي كما كل من واشنطن واسرائيل، في ضوء تسليم رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بالتفاوضِ مع تل أبيب، من دون حسم شكله، مباشراً أو غير مباشر، ومع اعتبار وقف الاعتداءات مدخلاً لتوفير مناخٍ مؤاتٍ لأي طاولة. وهذان الخطان تمحورا حول:
– أي اتفاقٍ جديد يُستولد بطبيعة الحال من المفاوضات – التي لم يَذكرها قاسم بالاسم – معتبراً أن مثل هذا الأمر سيَعني «تبرئة ذمة للعدو» وفتْح الباب أمام شروط جديدة من خارج اتفاق 27 نوفمبر «الذي ربِحْنا فيه وجاء بثمنِ مقبول لنا هو انتشار أبنائنا من الجيش اللبناني في الجنوب لأن الدولة أعلنت أنها ستتحمل مسؤوليتها جنوباً بعدما قامت المقاومة بذلك على مدى 42 عاماً»، ومعتبراً أن اسرائيل خسرت باتفاق وقف الأعمال العدائية «لأنها يجب أن تخرج من لبنان من دون أن تحصل على مكاسب من عدوانها».
ورأى قاسم أن اسرائيل واميركا لم يطبّقا موجباتهما من اتفاق 27 نوفمبر وخصوصاً الانسحاب «لأن لبنان يستعيد بموجب هذا الاتفاق سيادته، ولأن تل ابيب وواشنطن تريدان التدخل بمستقبل لبنان عبر اتفاق (جديد)»، مضيفاً: «الهدف التدخل في كيف يتكوّن جيش لبنان واقتصاده وموقعه وسياسته. تريدان إنهاء قدرة لبنان المقاوم، ومنع جيشه من أن يكون قادراً على إسقاط طائرة اسرائيلية واحدة أو إطلاق صاروخ على اسرائيل، وهم يَضغطون لأنهم يعتبرون أن اتفاق 27 نوفمبر يعطي لبنان مكاسب، ولأن اسرائيل إذا خرجت فإن لبنان يبقى يملك أوراق قوة ليدافع عن نفسه، أي يضغطون لتنازلاتٍ بلا ضمانات، ومع حرية كاملةٍ لاسرائيل كي تعتدي وتبقى محتلة، هي التي لا تريد أن تنسحب لأنها ترغب في أن يكون بلدنا حديقة خلفية لتوسيع المستوطنات كجزء من اسرائيل الكبرى».
مستوطنات الشمال
– والخط الأحمر الثاني حول سلاحه الذي جَزَمَ وبلغة «سَجِّلوا عندكم»: «التهويل والضغوط لا تغيّر موقفنا وسندافع عن أرضنا وأهلنا وكرامتنا ولن نتخلى عن سلاحنا الذي يمكننا من الدفاع، وعلى أميركا واسرائيل أن تيأسا، فإما نعيش أعزة أو نموت أعزة… وأي ثمن أقلّ من ثمن الاستسلام… ومن الآخر، لم نركع جرّبتمونا في معركة «أولي البأس»، وإذا أردتم (حربا جديدة) سنكون لها، ولن ننسحب من الميدان وسندافع بكل ما أوتينا من قوة».
وهذا الموقف ارتكز على «خطٍّ عريض» اعتبره ضمناً بمثابة آخر «نقطة تراجُعية» ممكنة للحزب تحت سقف اتفاق 27 نوفمبر الذي أخرج عملياً سلاحه شمال الليطاني من «النقاش»، مقدّماً رسالة «طمأنة» غير مسبوقة لاسرائيل بأن «لا مشكلة على أمن مستوطنات الشمال، والدولة اللبنانية هي التي تتحمل مسؤولية أن تنفذ إخراج اسرائيل (من النقاط التي ما زالت تحتلها) بكل الوسائل المتاحة».
وفي تظهيره موقف «حزب الله» من المفاوضات ومسار الضغوط المتعاظمة على لبنان، استعاد قاسم تفسير الحزب لاتفاق 27 نوفمبر بوصفه «حصراً لجنوب الليطاني، وعلى اسرائيل الانسحاب بموجبه ووقف العدوان وإطلاق الأسرى (..)».
وأضاف ان «الجنوب هو مسؤولية الدولة اللبنانية والحكومة والشعب والمقاومة، ولن يستقر لبنان مع استمرار العدوان الاسرائيلي والضغط الأميركي، وما دام الجنوب نازفاً».
وتابع: «لا استبدال لاتفاق 27 نوفمبر ولا تبرئة ذمة للعدو. يجب تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وبعدها كل السبل مفتوحة لنقاش داخلي بين اللبنانيين بإيجابية حول يحفظ قوة لبنان وسيادته. ولا علاقة لأحد بما يتفقون عليه».
وإذ جزم بأن «استمرار العدوان لا يمكن أن يتواصل، فلكل شيء حدّ، وليتنبّه المعنيون»، انتقد «خدّام اسرائيل» في لبنان.
وقال: «لن أتوجّه لهؤلاء بل لأصحاب الضمائر الحية والحس الوطني»، سائلاً الحكومة في غمزٍ من قرارها بحصر السلاح بيد الدولة وتبنيها خطةً مُمَرحلة وضعها الجيش لتحقيق هذه الغاية بدأت في جنوب الليطاني (حتى نهاية ديسمبر): «لماذا لا تضع الحكومة خطة لاستعادة السيادة الوطنية ضمن جدول زمني وتطلب من الجيش تقريراً دورياً عن الذي تحقق في هذا الإطار؟ وتضع برنامجاً لعدم تطبيق الإملاءات الأميركية والانبطاح أمام أميركا”؟
وفي إشارة إلى زيارة الوفد الأميركي رفيع المستوى من البيت الأبيض والخزانة ومكافحة الإرهاب والذي تقاطعت المعطيات عن أنه أمهل لبنان نحو شهرين كي يَنتظم مسار قطع الشرايين التي تؤمن للحزب تمويلاً عبر اقتصاد «الكاش» وأدواته وليكون بند سحب السلاح سلك «الطريق السريع»، أضاف قاسم: «يريدون (الأميركيون) التجفيف المالي. ما علاقتهم بالوضع الاجتماعي والقرض الحسن وما يُقدم للناس؟ على الحكومة اللبنانية أن تتصرف على أساس حماية المواطنين ومنظومتها الاجتماعية. وليعطونا تقريراً عما فعلوا في موضوع السيادة والإعمار».
وكان الأمين العام اعتبر في بداية كلمته «أن الحكومة للأسف لم تجد في بيانها الوزاري إلا حصرية السلاح وتدّعي أن ذلك هو لنزع الذرائع من اسرائيل التي تعتبر أصل وجود الحزب ومجتمعه ذريعة في ذاته ولا تنفكّ تختلق الذرائع وليس آخرها التمويل وأن الحزب يستعيد قدرته».
وبهذه المواقف، بات لبنان الرسمي بحسب أوساطٍ سياسيةٍ «مكشوفاً» في عنوانِ المفاوضات الذي نَسَفَ قاسم مبدأه من أساسه كونه خروج عن اتفاق 27 نوفمبر، بالتوازي مع تفريغ كل خطةِ الحكومة لحصْر السلاح وأيضاً في مبدئها من أي مضمونٍ على قاعدةِ أن السلاحَ شمال الليطاني «خارج التداول» قبل تنفيذ اسرائيل ما عليها من هذا الاتفاق ومحكومٌ بمرحلةٍ «سياسية» ظاهرها لبناني داخلي ولكن عمقها يطلّ على إبقاء هذه الورقة «صالحة» لإيران في مسارها الشائك لاستعادة «خطوط الوصل» مع الغرب وحماية نظامها من مناخاتٍ متعاظمة في تل أبيب بضرورة تسديد ضربة للجمهورية الاسلامية وتغيير النظام خلال ولاية دونالد ترامب.
استعادة القدرات القتالية
وفي الوقت الذي يشي هذا المناخ بأن لبنان بات أكثر فأكثر بين ناري الضغوط الإسرائيلية والأميركية على خطّيْ وجوب تسريع التجفيف المالي والتخفيف من الوزن العسكري للحزب وبين تعزيز الحزب السواتر السياسية أمام ملف سلاحه، فإن تل أبيب مضت في إطلاق الإشارات التي يُخشى أنها سبّاقة لموجة عسكرية أعتى تحت عنوان إضعاف الحزب «بيدها» وشق طريق التفاوض بالقوة بعدها.
فقد اتهم الجيش الإسرائيلي «حزب الله»، «بالسعي إلى استعادة قدراته القتالية في جنوب لبنان، لدرجة تهدّد أمن إسرائيل وتؤدّي إلى إلغاء اتفاق وقف النار الذي تسنّى التوصل إليه العام الماضي».
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني، إن حزب الله المدعوم من إيران يعمل جنوب نهر الليطاني في انتهاك لاتفاق الهدنة، وإن القوات الإسرائيلية تشنّ غارات على أهداف له في تلك المنطقة.
وذكر في إفادة صحافية بأن الحزب يحاول أيضاً تهريب أسلحة من سورية وعبر طرق أخرى إلى لبنان.
وأضاف: «نعمل على منع حدوث ذلك وإغلاق الطرق البرية من سورية إلى لبنان بدرجة كبيرة من النجاح، لكنهم لا يزالون يشكّلون تهديداً لنا».
وتابع «نحن ملتزمون بالاتفاق الذي يجب أن يصمد. لن نعود إلى واقع السابع من أكتوبر (2023) مع تهديد وجود آلاف الإرهابيين عند حدودنا على مسافة قريبة من مواطنينا…».
التفتيش عن المنشآت العسكرية
في موازاة ذلك، أوضحت مصادر عسكرية لبنانية أن الكشف والتفتيش عن المنشآت العسكرية يتواصل رغم القصف الإسرائيلي، مضيفة أن تفتيش المنازل الخاصة يَخضع للقوانين.
وأكدت المصادر للعربية/الحدث «أن كميات الأسلحة التي يصادرها الجيش من منطقة جنوب نهر الليطاني يذهب غالبيتها للتلف».
كما أشارت إلى «أن الكشف على المنشآت العسكرية جنوباً يتم بعد بلاغات من مصادر عدة، منها الأهالي وقوات اليونيفيل ولجنة «الميكانزم» المشرفة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، فضلاً عن القطعات العسكرية المنتشرة على الأرض». إلا أنها شددت على أن مسألة تفتيش المنازل في منطقة الجنوب تخضع لقوانين معيّنة، وإجراءات حذرة، في إشارة إلى حساسية القضية.
وأضافت أن الجيش كشف بمؤازرة اليونيفل على مبانٍ ومنازل عدة بعد استهدافها الأسبوع الماضي من الطيران الحربي الإسرائيلي وتبيّن خلوّها من الذخائر. وأردفت أن لجنة الميكانيزم أبلغت الجانب الإسرائيلي بنتيجة التفتيش.
إلى ذلك، أكدت أن الإجراءات التي يتّخذها الجيش منعت نقل الأسلحة في شمال الليطاني.
أتت تلك المعلومات بعدما أوضح ثلاثة مسؤولين أمنيين لبنانيين ومسؤولان إسرائيليان يوم الإثنين أن إسرائيل تضغط على الجيش اللبناني ليكون أكثر صرامة في تنفيذ حصر سلاح حزب الله من خلال تفتيش ممتلكات خاصة في الجنوب بحثاً عن أسلحة.
وفي هذا الوقت، كشف رئيس الجمهورية قبيل اختتام زيارته لبلغاريا اليوم الثلاثاء، أنّ «لبنان طلب من الدول الصديقة المساعدة في الضغط على إسرائيل لالتزام اتفاق 27 نوفمبر، ولكن حتى الآن لم نصل إلى نتيجة إيجابية».
«الحزب» يَرسم خطاً أحمر للبنان: لا لاتفاق جديد مع إسرائيل .