لم يكن المؤتمر الصحافي الذي عقده السفير المصري في لبنان علاء موسى في مقر السفارة حدثاً بروتوكولياً عادياً، ولا مجرد مناسبة لعرض موقف ديبلوماسي تقليدي، بل جاء في توقيت سياسي وأمني بالغ الحساسية، ما جعله أقرب إلى إخراج مدروس لقلق مصري متزايد من مسار التطورات في الجنوب اللبناني وفي الإقليم عموماً.
ففيما شدد موسى على أن كلامه لا يحمل أي إنذار أو تحذير، حرص في المقابل على استخدام مفردات غير مألوفة في الخطاب الديبلوماسي الروتيني، مثل الحديث عن “عواقب وخيمة” قد تترتب على استمرار التصعيد، والتنبيه إلى أن تطور الأحداث “ينذر بمزيد من الأخطار”، ما يعكس انتقال القاهرة من مرحلة المتابعة الصامتة إلى مرحلة التعبير العلني عن القلق، في محاولة لاستباق أي انزلاق أوسع قد يصعب احتواؤه لاحقاً.
وبحسب المعلومات، فإن القاهرة رأت في الآونة الأخيرة أن وتيرة الأخطار ارتفعت إلى مستوى يستوجب تثبيت موقف علني يحدد مرجعيات الحل ويضع الأطراف المعنية أمام مسؤولياتها السياسية والقانونية، وهو ما يفسر تركيز السفير على اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 لوقف الأعمال العدائية وعلى القرار 1701، باعتبارهما الإطار الوحيد القابل للحياة لضبط الوضع جنوباً، في غياب أي بدائل عملية أخرى.
وفي هذا السياق، حمل كلام موسى أكثر من رسالة في اتجاهات متعددة، من دون أن يسمي الجهات المعنية مباشرة. فمن جهة، جاء تثمينه دور الدولة اللبنانية والجيش في الجنوب ليمنح المؤسسات الرسمية غطاء سياسيا، لكنه أرفقه بإشارة واضحة إلى أن هذا الدور غير كافٍ وحده، وأن هناك أطرافاً أخرى مطالبة بالتزام الاتفاقات الموقعة وعدم الانزلاق إلى خطوات أحادية قد تفتح الباب أمام تصعيد لا يمكن التحكم في مساره.
ومن جهة أخرى، شكّل تأكيده أن مصر على تواصل مع الجانب الإسرائيلي لحضه على التزام الاتفاق، إشارة نادرة في العلن إلى أن القاهرة ترى في السلوك الإسرائيلي عنصرا أساسيا في معادلة التوتر، وتستخدم قنواتها السياسية للضغط في اتجاه ضبط النفس، ولو بصيغة هادئة وغير تصادمية.
أما الإشارة إلى التنسيق مع الولايات المتحدة واللقاءات الدولية والإقليمية المرتبطة بالملف، ولاسيما التوقف عند لقاء ترامب – نتنياهو، فتعكس رغبة مصر في تثبيت موقعها لاعبا أساسيا في مسار التهدئة، وفي تحميل المجتمع الدولي، ولاسيما القوى الكبرى، جزءاً من مسؤولية منع الانفجار إذا ما فشلت الجهود الجارية.
وفي موازاة البعد الأمني والسياسي، حرص السفير المصري على إبراز الشق الثنائي من العلاقات عبر التذكير بزيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لبيروت، وبالتعاون في ملف الطاقة، في محاولة لربط التهدئة بالأفق الاقتصادي، وإظهار أن الاستقرار ليس هدفاً في ذاته، بل هو شرط لإطلاق مسارات دعم عملي للبنان في ملفات حيوية.
في المحصلة، لا يمكن فصل توقيت المؤتمر عن شعور مصري بأن هامش المناورة يضيق، وأن الانتقال إلى العلن بات ضرورة سياسية أكثر منه خيارا إعلاميا. فالرسالة التي أرادت القاهرة إيصالها ليست تهديداً، لكنها أيضاً ليست مجرد طمأنة، بل أقرب إلى تحذير ديبلوماسي ناعم يقول إن الطريق الحالي محفوف بالأخطار، وإن العودة إلى الاتفاقات القائمة هي السبيل الوحيد المتاح لتفادي الأسوأ، وإن مصر اختارت أن تقول ذلك علناً قبل فوات الأوان.
لماذا خرج السفير المصري إلى العلن؟ رسائل القاهرة تحذير ديبلوماسي ناعم .