الحقوق المكتسبة من المحرّمات الّتي أكد المجلس الدستوري عدم تقويضها في أي تشريع جديد سواء بمفاعيل رجعية أو بمفاعيل مستقبلية.
من هذه الانطلاقة، يمكن مقاربة مسألة أموال النقابات وصناديق التعاضد وعلاقتها بقانون الفجوة المالية الذي أقرته الحكومة أخيراً.
فهل من تهديد لهذه الأموال بعد إقرار مشروع القانون؟
يبادر نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض إلى التأكيد أن “أموال النقابات والصناديق ليست أموالاً تجارية، ولم تُستخدم للمضاربة أو الاستثمار، بل هي أموال مخصصة للتقاعد والتعويضات، ومن هذا التفسير ينبغي النظر إليها والتعامل معها. ثم ألا يكفي أن النقابات تتحمل عبئاً عن الدولة في التقاعد وشيخوخة المعلمين والموظفين، فيصار اليوم إلى تحميلها أعباءً إضافية”.
هكذا، تتوالى موجات الرفض على قانون الفجوة المالية الأخير، الذي أتى رسمياً تحت عنوان: “قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع”، إنما يبدو من الانتقادات التي توالت أن الودائع لن تُستردّ، بنظر أصحابها.
يرى محفوض أن “السلطات المتعاقبة هي المسؤولة عن الفجوة المالية وأن ما جرى هو اعتداء على أموال النقابات. إن القانون لم يلحظ أموال صناديق التعاضد والتعويضات والتقاعد وأموال النقابات، مثلاً صندوق نقابة المعلمين كان يملك قبل الأزمة المالية نحو 1200 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل نحو800 مليون دولار أميركي، إلا أن هذه الأموال باتت اليوم أوراقاً بلا أي قيمة”.
وإذ يدعو محفوض من يعارض القانون إلى تعديله داخل مجلس النواب، يشير إلى أن “نقابات المهن الحرة ستجتمع قريباً، بغية وضع تصوّر أو خطة لتعديل قانون الفجوة المالية داخل مجلس النواب، بشكل يضمن، في الحد الأدنى، حماية أموال النقابات وصناديق التعاضد والتقاعد”.
ولم تكن نقابة المعلمين النقابة الوحيدة التي رفضت القانون، إذ سارع أيضاً مجلس إدارة الصندوق التعاضدي لموظفي المصارف إلى “مناشدة النواب إعادة النظر في نصوص مشروع قانون الفجوة المالية والعمل على إدراج تعديل يعيد لصناديق التعاضد الودائع المحجوزة”.
أما من الناحية الدستورية النظرية، فيشرح الخبير الدستوري الدكتور جهاد اسماعيل أن “مشروع قانون الفجوة المالية، يحفظ، من الناحية النظرية، حقوق المودعين على اختلاف تراتبيتهم، إلا أن الآلية التي يعتمدها هذا المشروع في شأن الودائع الكبرى، أي التي تتجاوز 100 ألف دولار، تُفرغ هذا الحق من مضمونه بسبب تعريضها للجدولة أو الهيكلة إذا قرر ذلك المصرف المركزي، بموافقة الحكومة، بعد 10 سنوات عندما يقرر تخلّفه عن سداد هذه الديون، تبعاً للاستنساب الّذي يؤمّنه المشروع له”.
ويتدارك: “إذا كانت ودائع النقابات وصناديق التعاضد تندرج ضمن فئة أصحاب الودائع الكبرى فيسري عليها ما يسري على آخرين، عدا أن هذا المشروع يخلو من وعاء حسابي دقيق يوضح الأرقام وحقيقة الحسابات والتمويل، مما يقوّض مبدأ وضوح التشريع الذي يعتبر مبدأً ذا قيمة دستورية لا يجوز مخالفته”.
إذن، يستنتج إسماعيل أنه “بما أن ودائع النقابات وصناديق التعاضد هي من الحقوق المكتسبة، فإن المجلس الدستوري أكد، في القرار رقم ١ صادر عنه في عام 2024، بأن حق المشرّع في وضع نصوص تحمل مفاعيل رجعية ليس مطلقاً بل خاضع لضوابط أهمها عدم التعرّض لوضع قانوني مستقر يؤمّن حقوقاً مكتسبة وضمانات كرّسها الدستور، ما يعني أن الحقوق المكتسبة من المحرّمات التي أكد المجلس عدم تقويضها في أي تشريع جديد سواء بمفاعيل رجعية أو بمفاعيل مستقبلية”.
أي تهديد لأموال النقابات وصناديق التعاضد بفعل قانون الفجوة المالية؟ .