يطوي عام 2025 اليوم صفحته الأخيرة، تاركًا خلفه حمولة ثقيلة من الأزمات والتعقيدات، ليرثها عام جديد مُشبع بالتحديات. فالكثير من الملفات العالقة بقي بلا حلول، والوعود التي أُطلقت لم تكن على قدر التعهدات أو التوقعات. لا السلاح سُحب بالكامل من عهدة “الممانعة” والمخيمات الفلسطينية إلى كنف الدولة، ولا الأخيرة فرضت هيبتها وسلطتها على امتداد خريطتها. الإصلاحات المالية وحقوق المودعين غارقة في “فجوة قانونية” يكتنفها الضباب واللاعدالة في توزيع المسؤوليات. وفيما الانتخابات النيابية على الأبواب، يخيّم شبح التأجيل عليها، بعد أن “حبس” رئيس مجلس النواب نبيه برّي مشروع القانون المعجّل، المرسل من الحكومة، في “فانوس اللجان” وعدم إحالته إلى الهيئة العامة.
كان هذا العام بالنسبة إلى السلطة السياسية أشبه بـ “لاعب وسط” يكتفي بتمرير الوقت، متراجعًا إلى خطوط الدفاع، في مواجهة عناد “حزب الله” وإصراره على التمسّك بسلاحه. فبدل أن تتقدّم الدولة وتوظف الزخم الدولي والضغط الأممي لصالحها، اختارت الانكفاء، والانحسار أمام الهجوم السياسي والإعلامي الذي شنه “الحزب” في الداخل، في محاولة لتعويض هزيمته أمام إسرائيل. أما الأخيرة، فلا تزال شهيّة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو مفتوحة جدًا لاستئناف الحرب في لبنان، في التوقيت الذي يراه مناسبًا. في السياق، ذكرت مصادر أميركية للـ mtv أن الخطة العسكرية لردع “حزب الله” موجودة وجاهزة، مشيرة إلى أن التصعيد الإسرائيلي قد يكون مدمّرًا خلال أسابيع ضمن خطط أوسع تهدف إلى رسم خريطة شرق أوسط جديد. وأوضحت المصادر أن التنسيق بين ترامب ونتنياهو كامل وواضح سواء على المستوى السياسي أو العسكري وهو تنسيق مقصود ومعلن حتى في التفاصيل الشكلية، فالظهور بالبدلات نفسها لم يكن صدفة بل رسالة دبلوماسية مدروسة تعكس وحدة الموقف.
في هذا الإطار، توزع الاهتمام اللبناني أمس بين ما يجري في واشنطن وطهران، إذ خطفت القمة الأميركية – الإسرائيلية الأنظار، وتابعها المسؤولون اللبنانيون باهتمام بالغ. وحتى ساعات متأخرة من الليل، لم تكن قد اتضحت الصورة الكاملة، غير أن الانطباع الأولي يشير إلى أن ملف سلاح “حزب الله” بات أشبه بكرة نار تُرمى في حضن الحكومة اللبنانية. إلى ذلك، علّق الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على لقاء ترامب – نتنياهو، فكتب عبر “أكس”: “يبدو وتأكيدًا لواقع العلاقات الأميركية الإسرائيلية في شتى المستويات، أن ملك إسرائيل الجديد حصل على كل ما يريد وأن المنطقة العربية والشرق أوسطية، ستشهد مزيدًا من الاضطرابات، لذا فإن الوحدة الداخلية فوق كل اعتبار وأن حصرية السلاح لا نقاش فيها”.
في المقابل، بقيت الأنظار شاخصة نحو إيران حيث تتواصل الاحتجاجات، وسط تقديرات بأن تطوّر الأوضاع هناك قد ينعكس مباشرة على المشهد اللبناني. أما على صعيد الحراك الدولي تجاه لبنان، فغابت عن أجندة القصور الرسمية هذا الأسبوع وأسبوع ما بعده أي زيارات أو لقاءات لافتة لموفدين عرب أو دوليين، في انتظار ما ستؤول إليه نتائج لقاء ترامب – نتنياهو، الذي يبدو أنه سيحدد اتجاه المرحلة المقبلة.
داخليًا، تمحورت الحركة السياسية بشكل أساسي، بين معراب – بعبدا من جهة، وعين التينة – السراي من جهة أخرى. حيث استقبل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب ملحم رياشي موفدًا من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وأشار رياشي لـ “نداء الوطن” إلى أن شكل الزيارة يعكس مضمونها، أي أنها أتت لتأكيد العلاقة الوطيدة والصريحة بين “القوات” والرئيس عون. وإذا كان هناك من اختلاف في وجهات النظر والآراء في بعض القضايا، فلا يفسد للود قضية. أما في مقرّ الرئاسة الثانية، فالتقى بري رئيس الحكومة نوّاف سلام، حيث جرى عرض للأوضاع العامة الأمنية والسياسية والاقتصادية.
دبلوماسيًّا، أكد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي “أهمية بناء علاقات متوازنة مع إيران تقوم على احترام سيادة لبنان واستقلاله”، في رسالة رد فيها على تهنئة نظيره الإيراني عباس عراقجي بمناسبة عيد الميلاد وحلول عام 2026. وشدد رجي، على أن “السلام والازدهار هما ما يحتاج إليه كل من لبنان وإيران والمنطقة بأسرها”، داعيًا إلى “فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين”. وجدد “الرغبة في إقامة حوار صادق وشفاف يعزز بناء الثقة بين لبنان وإيران”، مؤكدًا “ضرورة أن تكون العلاقة قائمة على مقاربة بناءة ترتكز على الاحترام المتبادل بين الدولتين”. واعتبر رجّي أن “التعاون الثنائي يجب أن يتم بين حكومتي البلدين ومؤسساتهما الشرعية حصرًا، بما يحفظ سيادة واستقلال كل منهما، ويحقق رفاهية الشعبين اللبناني والإيراني”.
بالعودة الى ملف السلاح الفلسطيني، أعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان أنه “استكمالًا لعملية تسلُّم السلاح من المخيمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية، تسلَّمَ الجيش كمية من السلاح الفلسطيني من مخيم عين الحلوة، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية. وشملت هذه العملية أنواعًا مختلفة من الأسلحة والذخائر الحربية، وقد تسلمتها الوحدات العسكرية المختصة للكشف عليها وإجراء اللازم بشأنها”.
من جهتها، وعلى عكس مواقف “حزب الله” المتمسّك ببندقيته وما تبقى من ترسانته العسكرية، شددت لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، على أن “السلاح الفلسطيني داخل المخيمات بات يشكّل عبئًا على الفلسطينيين كما على اللبنانيين، ولم يعد عنصر حماية، بل عامل توتر يضر بالمخيمات ومحيطها ويعيق تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية”. واعتبرت اللجنة أن “هذا المسار يشكّل مدخلًا أساسيًا لترسيخ الأمن والاستقرار”، مجددة “التزامها باستمرار عملية تسليم السلاح وفق الخطة المعتمدة حتى إنهاء هذا الملف بالكامل، بما يكرّس سيادة الدولة اللبنانية”. كما وتؤكّد اللجنة “إيمانها الراسخ بالحوار والتواصل مع جميع القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية”، غير أنها تلفت إلى أن “هذا التوجه لا يمكن أن يتحول إلى غطاء للمماطلة أو تأجيل الالتزامات. وعليه، تؤكد أن القوى الفلسطينية التي تعلن التزامها بسقف الدولة اللبنانية مطالبة بالانتقال من المواقف المعلنة إلى التنفيذ العملي، إذ إن احترام السيادة لا يكون شكليًا أو انتقائيًا، بل يقتضي الامتثال الواضح لقرارات الدولة والبدء الفوري بتسليم السلاح دون شروط أو ذرائع، عبر التنسيق المباشر مع الجيش اللبناني، أسوة بما قامت به منظمة التحرير الفلسطينية”.
فجوات 2025: الدولة خطوتان إلى الأمام خطوة إلى الوراء .