بدأت عشرات الوثائق السّرّيّة تنشر تباعًا، وتُظهر وفق ما وصفته مصادر “المدن” بـ”شراكة نظام الأسد المخلوع مع المحكمة العسكريّة اللّبنانيّة في الأحكام الصّادرة بحقّ معتقلي الثّورة السّوريّة”، كما تقول إنّها تكشف “تنسيقًا مع حكوماتٍ لبنانيّةٍ سابقةٍ على حساب المعتقلين الّذين ما زالوا يعانون التّسييس والمماطلة حتّى اليوم”، فضلًا عن وثائق أخرى تظهر تعاونًا وثيقًا بين النّظام وجهاتٍ وأفرادٍ داخل مؤسّساتٍ رسميّةٍ لبنانيّةٍ.
وبحسب معلومات “المدن”، فإنّ الحكومة السّوريّة بات في حوزتها مئات الوثائق، وتعمل حاليًّا على ترتيبها تمهيدًا لاعتمادها “كأدلّةٍ على التّواطؤ الّذي حصل، وتسييس ملفّ المعتقلين على خلفيّة الثّورة السّوريّة”، وفق المعطيات المتاحة.
وحصلت “المدن” على حزمةٍ من الصّور تظهر وثائق أمنيّةً متفرّقةً (للاطّلاع على الوثائق:
File
wthayq-muswrbt—khas-almdn.pdf
)، منسوبةً إلى جهاتٍ أمنيّةٍ سوريّةٍ، تظهر على بعضها ترويسات القيادة العامّة للجيش والقوّات المسلّحة، شعبة المخابرات، مع ذكر الفرع 227 وفروعٍ أخرى، وتتضمّن تقارير “رصدٍ” ومراسلاتٍ داخليّةً عن ملفّاتٍ مرتبطةٍ بلبنان وفلسطينيّين في لبنان، إضافةً إلى متابعة تحرّكاتٍ سياسيّةٍ على الأرض. وتوحي الأختام والتّأشيرات اليدويّة بأنّ الأوراق جرى تداولها داخل أكثر من دائرةٍ قبل تجميعها.
وتتوزّع مضامين الوثائق على محاور أساسيّةٍ:
-
اجتماعاتٌ وملفّات فصائل فلسطينيّةٍ في لبنان، إحدى الصّفحات تتحدّث عن معلوماتٍ واردةٍ من “مصدرٍ” حول اجتماعاتٍ تعقد في لبنان مرتبطةٍ بحركة حماس، مع إشارةٍ إلى مراكز، مكاتب، للحركة وتعداد أسماء “قياداتٍ” أو “ممثّلين” لها، في سياقٍ يبدو أنّه متابعةٌ أمنيّةٌ للاتّصالات والتّحرّكات.
-
رصد تحرّكات بهاء الحريريّ في لبنان، وثيقةٌ أخرى تفرد فقرةً عن وصول بهاء رفيق الحريريّ إلى مطار بيروت، وتذكر أنّه سيقوم بجولةٍ داخليّةٍ تشمل أكثر من منطقةٍ لبنانيّةٍ، مع الإشارة إلى لقاءٍ، اجتماعٍ، مرتقبٍ وعددٍ من الحاضرين. وتتضمّن الورقة تفاصيل مسار التّحرّك، وهي تفاصيل حسّاسةٌ عادةً في النّشر.
-
مذكّرةٌ عن مطلوبٍ، متّهمٍ، بملفّ مخدّراتٍ، ضمن الأوراق صفحةٌ معنونةٌ بصيغةٍ تفيد بأنّ الأمن العامّ “يرصد” شخصًا فلسطينيًّا “من أجل توقيفه”، وتربط ذلك بملفّ تعاطٍ، ترويجٍ، للمخدّرات. وتظهر على الصّفحة صياغةٌ تقريريّةٌ مختصرةٌ مع ختمٍ في الأسفل.
-
نشاطاتٌ وأسماءٌ لأشخاصٍ فلسطينيّين داخل لبنان وخارجه، تتضمّن صفحاتٌ أخرى عرضًا معلوماتيًّا عن “نشاط” أكثر من شخصٍ فلسطينيٍّ، بينها إشاراتٌ إلى حيازة جنسيّةٍ أجنبيّةٍ، والعمل، الإقامة، داخل لبنان، وادّعاءاتٌ عن شبكات علاقاتٍ أو تنقّلاتٍ واتّصالاتٍ. وتحتوي هذه الصّفحات على بياناتٍ تعريفيّةٍ دقيقةٍ، عناوين، أرقامٌ، تواريخ، ممّا يرجّح أنّها أعدّت للاستخدام الدّاخليّ وليس للنّشر العلنيّ.
-
مراسلةٌ حول “تعييناتٍ” في جهازٍ أمنيٍّ فلسطينيٍّ بلبنان، إحدى الوثائق المؤرّخة في أيلول 2024، بحسب الظّاهر، تشير إلى متابعةٍ، مراسلةٍ، مرتبطةٍ بتعييناتٍ، مواقع، داخل إطار الأمن الوطنيّ الفلسطينيّ في شمال لبنان، مع ذكر أسماءٍ ورتبٍ وملفّاتٍ، وإحالاتٍ إلى مراسلاتٍ سابقةٍ بين فروعٍ أمنيّةٍ.
-
تقريرٌ عن “محاضرةٍ” للقوّات اللّبنانيّة ودورة كوادر، تظهر ورقةٌ أخرى تتحدّث عن محاضرةٍ للقوّات اللّبنانيّة ضمن “دورة الكوادر العامّة”، وتاريخها ظاهرٌ كشباط 2023، وتلخّص أفكارًا عامّةً عن “التّحوّلات الدّوليّة” ومضامين سياسيّةٍ، ثمّ تنتقل إلى فقراتٍ بعنوان “نشاطٍ”، تتناول أشخاصًا محدّدين.
وهذه الوثائق ترسم صورةً عن متابعةٍ أمنيّةٍ سوريّةٍ لملفّاتٍ لبنانيّةٍ وفلسطينيّةٍ تتراوح بين رصد اجتماعات فصائل، ومتابعة تحرّكات شخصيّةٍ سياسيّةٍ، وتقارير عن مطلوبين، اتّهاماتٍ، ومراسلاتٍ إداريّةٍ عن مواقع داخل أجهزةٍ فلسطينيّةٍ في لبنان، إضافةً إلى متابعة نشاطٍ حزبيٍّ لبنانيٍّ عبر تقارير “محاضراتٍ” وملخّصاتٍ سياسيّةٍ.
وتظهر إحدى الوثائق مذكّرةً أمنيّةً داخليّةً منسوبةً إلى شعبة المخابرات السّوريّة، وموجّهةً إلى “السّيّد اللّواء رئيس شعبة المخابرات المحترم”، تتضمّن، بحسب نصّها، “معلوماتٍ واردةً من لبنان” تتّصل بملفّات ملاحقةٍ، توقيفٍ، ورصدٍ أمنيٍّ، إلى جانب ملاحظاتٍ عن تحرّكاتٍ وانتشارٍ عسكريٍّ وتعييناتٍ ضمن إطارٍ فلسطينيٍّ في لبنان.
وتحمل الأوراق أختامًا، تأشيراتٍ، وتوقيعاتٍ في أسفلها، فيما تتضمّن في متنها بياناتٍ تعريفيّةً دقيقةً، مثل سجلّاتٍ، تواريخ، أسماء أمّهاتٍ، وهي تفاصيل ذات طابعٍ شخصيٍّ.
وتتضمّن إحدى الوثائق فقرةً تتناول الجيش اللّبنانيّ، إذ تقول إنّ “تعدّد المواقع العسكريّة” للجيش في شمال لبنان والسّلسلة الشّرقيّة يرافقه “اهتمامٌ كبيرٌ” من جهاتٍ داعمةٍ من الخارج بالمناطق الحدوديّة المحاذية لسوريا. ووفق المذكّرة، فإنّ وفودًا أجنبيّةً، تصفها بـ”الفنّيّة”، تزور علنًا وسرًّا مواقع وأبراج المراقبة المنتشرة على الحدود الشّرقيّة والشّماليّة، وتقوم بأعمال صيانةٍ وتطويرٍ لكاميرات المراقبة، إضافةً إلى شقّ وتعبيد طرقاتٍ تربط هذه المواقع بعضها ببعضٍ لتسهيل الحركة في المناطق الحدوديّة الوعرة. وتضيف الوثيقة أنّ هذه الإجراءات تطرح تحت شعار “ضبط الحدود ومنع التّهريب”، لكنّها تعتبر أنّ ضبط الحدود مع سوريا “ليس سهلًا” من دون قرارٍ سياسيٍّ كبيرٍ وتعاونٍ لبنانيٍّ، سوريٍّ، وهو ما تقول إنّ “الحكومات اللّبنانيّة المتعاقبة” كانت ترفضه.
وثائق مسرّبةٌ
وتظهر إحدى الوثائق المسرّبة، الّتي جرى تداولها، مذكّرةً أمنيّةً سوريّةً مصنّفةً “سرّيٌّ للغاية، فوريٌّ”، صادرةً عن القيادة العامّة للجيش والقوّات المسلّحة، شعبة المخابرات، الفرع 227، مفرزة أمن القطيفة، ومؤرّخةً في آب، أغسطس 2024، وتتضمّن عرضًا “للاطّلاع والقرار” لرئيس الفرع.
وبحسب نصّ المذكّرة، تتناول الوثيقة شخصًا لبنانيّ الجنسيّة، وتذكر أنّه عنصرٌ في الأمن العامّ اللّبنانيّ، وتقول إنّه يعمل “لصالح” الجهة المعدّة للمذكّرة بوصفه “مصدرًا موثوقًا للمعلومات” منذ أكثر من ستّ سنواتٍ. وتضيف أنّ المصدر قدّم “العديد من المواضيع الأمنيّة المهمّة” داخل سوريا وخارجها، ولا سيّما على الحدود السّوريّة، اللّبنانيّة.
كما تشير الوثيقة إلى أنّ جهاتٍ أمنيّةً أخرى، تذكر إدارة المخابرات العامّة والفرع 261، حمص، حاولت استقطاب الشّخص للعمل لصالحها كمصدر معلوماتٍ، إلّا أنّه رفض واختار الاستمرار في التّعاون مع الجهة الّتي أعدّت المذكّرة. وفي خاتمتها، تلفت المذكّرة إلى أنّ المصدر يتعرّض لمضايقاتٍ من الأمن السّياسيّ المتواجد على معبر العريضة الحدوديّ أثناء قدومه أو مغادرته. ووفق معلومات “المدن” المنقولة عن مصدرٍ رسميٍّ، فإنّ ضابطًا طلب “تسهيل مرور العنصر على الحواجز في سوريا”، بما في ذلك المعابر بين لبنان وسوريا، خصوصًا أنّ العنصر “لم يكن مأذونًا“.
وفي سياقٍ متّصلٍ، تظهر وثائق رسميّةٌ أخرى صادرةٌ عام 2019 مسار مراسلاتٍ بين بيروت ودمشق يتعلّق بإحالة “خلاصات أحكامٍ” صادرةٍ عن المحكمة العسكريّة اللّبنانيّة بحقّ ثلاثة مواطنين سوريّين، وفق ما يظهر من التّرويسات والأختام المرفقة.
وبحسب الوثيقة الأولى، الصّادرة عن سفارة لبنان في دمشق، أفادت السّفارة بأنّها تسلّمت، عبر مكتب وزارة الدّفاع الوطنيّ في لبنان، كتابًا مرفقًا بخلاصات الحكم، ووجّهته إلى وزارة الخارجيّة والمغتربين السّوريّة، الإدارة القنصليّة، طالبةً إحالة الملفّ إلى المرجع المختصّ “وفقًا للأصول” لمتابعة الإجراءات.
أمّا الوثيقة الثّانية، الصّادرة عن وزارة الخارجيّة والمغتربين السّوريّة، الإدارة القنصليّة، فتتضمّن إحالةً رسميّةً إلى وزارة العدل السّوريّة، وتشير إلى إيداع الوزارة نسخةً من مذكّرة السّفارة اللّبنانيّة في دمشق، المؤرّخة في 27 آذار، مارس 2019، والمرفق بها كتاب وزارة الدّفاع اللّبنانيّ والمتعلّق بخلاصات أحكامٍ عن المحكمة العسكريّة اللّبنانيّة بحقّ ثلاثة سوريّين، مع طلب “الاطّلاع” واتّخاذ ما يلزم.
وتظهر على الوثيقة السّوريّة مجموعةٌ كبيرةٌ من الأختام والتّواقيع والتّأشيرات اليدويّة، ممّا يوحي بأنّها خضعت لتداولٍ داخليٍّ بين أكثر من دائرةٍ قبل إحالتها إلى الجهة القضائيّة المعنيّة.
ونقلًا عن مصدرٍ سوريٍّ، اعتبر أنّ هذه الوثائق تمثّل “دليلًا قاطعًا” على وجود “محاكماتٍ مسيّسةٍ” منذ مراحل مبكّرةٍ، مضيفًا أنّ الدّولة السّوريّة تمتلك وثائق أخرى تتعلّق “بشخصيّاتٍ من الأمن العامّ اللّبنانيّ”، وبطلب “تسهيل مرور” عناصر “من دون مأذونيّةٍ” على الحواجز والمعابر.
وثائق سرية تكشف تنسيق نظام الأسد والمحكمة العسكرية اللبنانية .