اجتماع باريس: دعم الجيش ينتظر امتحانات جديدة؟

Screenshot-2025-12-19-192716

ما الذي يفترض أن يحصل قبل مؤتمر دعم الجيش اللبنانيّ في شباط المقبل؟ فالمسافة الزمنيّة الفاصلة عن انعقاد هذا المؤتمر الموعود هي اختبار جديد للجيش في مواصلة سحب السلاح شمال الليطاني. سيكون الاختبار الثاني منحى المفاوضات مع إسرائيل بعد رفع مستوى التمثيل في لجنة “الميكانيزم” بإشراك مدنيَّين لبنانيّ وإسرائيليّ. هل تكون الاختبارات وسيلة لحسم مصير التهديدات الإسرائيليّة سلباً أو إيجاباً؟

 

يستحيل عزل الاختبارين عمّا يدور في الإقليم من تحرّكات ومحاولات إدارة الرئيس دونالد ترامب تمتين مسارالسلام، الذي يقتصر على وقف الحرب على غرار غزّة.

تبادل إسرائيل و”الحزب” العرقلة؟

هذا أمر يختلف حتماً عن الطموح إلى اتّفاقات تقود إلى السلام. ترفع إسرائيل سقف مطالبها عن ذلك الذي يرمي إليه ترامب، أي ضمان أمن الدولة العبريّة عبر إعادة الاستقرار لحدودها مع لبنان. قال وزير الخارجيّة الإسرائيليّ جدعون ساعر إنّ رغبة تل أبيب هي التطبيع مع لبنان، طامحاً إلى تحقيق ما يفوق الترتيبات الأمنيّة لضمان أمن المناطق الشماليّة. يدرك سلفاً أنّ السقف اللبنانيّ هو اتّفاق الهدنة لعام 1949. بهذا تتبادل إسرائيل مع “الحزب” عرقلة وقف الحرب وتنفيذ اتّفاق 27 تشرين الثاني 2024 عبر سلسلة من الإجراءات:

  • تواصل ضرباتها واحتلالها الحافة الحدوديّة الجنوبيّة ضاربة عرض الحائط بما أنجزه الجيش من سحب لسلاح “الحزب” جنوب الليطاني، وتمتنع من جهتها عن تحقيق ما نصّ عليه الاتّفاق. والحجّة أنّ “الحزب” يعيد تأهيل بنيته العسكريّة بدعم إيرانيّ، مقابل اقتناع الدول بقيامه بما التزمه حتّى الآن.
  • يواصل “الحزب” رفض سحب سلاحه شمال الليطاني بابتداعه قراءة خاصّة به تقول إنّ سحب السلاح يقتصر على جنوب الليطاني لا شماله. ويرمي “الحزب” انتهاكات إسرائيل على الدولة، معتبراً أنّ البلد منذ الاتّفاق دخل مرحلة جديدة سلّم فيها “الحزب” أموره. ويمارس اللعبة نفسها منذ 30 سنة. إذ يدّعي التسليم بدور الدولة، لكنّه يعيق فرضها سلطتها ويضعف هيبتها ثمّ يقول إنّ سبب مقاومته وتسلّحه هو غيابها لتبرير احتفاظه بقوّته العسكريّة.

اقتناع أميركيّ بعرض هيكل؟

استهدف حضور قائد الجيش اللواء رودولف هيكل اجتماع باريس الرباعيّ، أوّل من أمس، بمشاركة أميركيّة فرنسيّة سعوديّة، نزع حجّة تل أبيب، والقول إنّ الجيش يقوم بما عليه ويستأهل تقديم المساعدة المطلوبة له كي يواصل مهمّته. وهذا أمر تناوله بالتفصيل مع قائد الجيوش الفرنسيّة. استهدف أيضاً التأكيد لـ”الحزب” أن لا تسامح حيال بقاء سلاحه شمال الليطاني، خلافاً لما كان يأمله من وراء تشدّده في مواصلة الإمساك بورقة السلاح لمصلحة إيران. انعقد الاجتماع بغرض استعراض نتائج آليّة معتمَدة في لجنة “الميكانيزم” هي “طلب الأفعال”، وفق ما تفرضه مهمّتها، بناء على طلبات إسرائيليّة (مداهمة أمكنة يشتبه في وجود أسلحة فيها).

ما هي أجواء الجانب الأميركيّ حيال إنجازات الجيش؟ وهل بات مقتنعاً بأنّ الجيش يحقّق تقدّماً في سحب السلاح، خلافاً لسرديّة إسرائيل، وسيمارس ضغطاً عليها لوقف ضرباتها؟

أتاح اجتماع باريس الاطّلاع على ما تحقّق ميدانيّاً، وهو ما سمح من جهة برصد الانتهاكات التي طاولت الاتّفاق، ومن جهة ثانية بتحفيز الفريق المعنيّ على التحرّك لمواجهتها. ووفّر تأييد الدول المشاركة غطاءً للعمليّة التي ينفّذها الجيش اللبنانيّ. وبحكم عضويّتهما في “الميكانيزم”، يتمتّع الجانبان الأميركيّ والفرنسيّ بقدرة مباشرة على التحقّق من الإنجازات، ولا سيما أنّهما ليسا على تواصل مع الجيش اللبنانيّ فقط، بل والجيش الإسرائيليّ أيضاً.

في هذا الإطار، شكّل تقرير العماد هيكل مناسبة لإطلاع الجانب السعوديّ على النتائج المحقّقة. وقد فهم ممثّلو الدول الثلاث من العرض الذي قدّمه أنّ الجيش اللبنانيّ أنجز نحو 95 في المئة من الخطّة جنوب نهر الليطاني، وأنّه يتجاوب في الغالبيّة الساحقة من الحالات مع الإشعارات التي يتلقّاها، ويواصل تحرّكه الميدانيّ بثقة، على أن يُنجز استكمال إزالة السلاح من المنطقة قبل نهاية الشهر.

التّحقّق التّفصيليّ والانسحاب الإسرائيليّ

ما اهتمّ به ممثّلو الدول الثلاث هو التأكّد من عودة مؤسّسات الحكومة اللبنانيّة إلى منطقة جنوب الليطاني بكاملها بعد إنجاز الجيش سحب السلاح منها، ثمّ التفريق بين مهمّاته العسكريّة وبين المهمّات الأمنيّة. هذا علاوة على مواصلة تنفيذ خطّة الجيش شمال الليطاني. ولهذا الاهتمام، في ظلّ التعقيدات المحيطة بمهمّة الجيش، جوانب أخرى تحتاج إلى معالجة:

  • تتطلّب الحاجة إلى إقفال ملفّ جنوب الليطاني انسحاباً إسرائيليّاً من التلال الخمس. فالعماد هيكل كان أكّد في خطّته الأصليّة أنّ إنجاز بسط سلطة الدولة في تلك المنطقة سيكون ناقصاً بلا انسحاب إسرائيليّ.
  • يبدأ تمتين وجود الدولة بانتشار قوى الأمن الداخليّ التي تحتاج بدورها إلى تعزيز إمكاناتها. وهذا ما تصدّى له الاتّحاد الأوروبيّ في قراره قبل 3 أيّام تقديم مساعدة بالآليّات والعتاد، وقبله واشنطن بتخصيصها جزءاً من المساعدات لقوى الأمن، فوجودها في جنوب الليطاني يتيح للجيش أن ينقل جزءاً من وحداته إلى شمال الليطاني كي يباشر سحب السلاح منه.
  • جرى إنجاز ما اقترحته فرنسا لجهة التحقّق ممّا أنجزه الجيش اللبنانيّ جنوب النهر، عبر “اليونيفيل”، وتحديداً الوحدات الفرنسيّة العاملة ضمنها. وقد تحوّل هذا التحقّق إلى اقتراح توافقت عليه الدول الثلاث المشاركة في اجتماع باريس. ففي معظم العمليّات التي ينفّذها الجيش، سواء خلال مداهمات التفتيش أو عند التحقّق من إخباريّات إسرائيليّة تتعلّق بمخابئ أسلحة، ترافقه الوحدات الفرنسيّة، بما يتيح لها التحقّق الميدانيّ.

يشمل هذا التحقّق توثيق أعداد كبيرة من الأسلحة المصادَرة وأرقامها، إضافة إلى عدد الأنفاق والمخابئ التي جرى اكتشافها وتفكيكها، وعدد الصواريخ التي تمّ تدميرها. وكان العماد هيكل يضع مجلس الوزراء في صورة هذا التوثيق ضمن تقاريره الدوريّة، إلّا أنّ المجتمعين في باريس نصحوا بإعلانه. وتشير المعلومات إلى أنّ الجانب الفرنسيّ كان قد اقترح على شريكه الأميركيّ في لجنة “الميكانيزم” المشاركة في التحقّق هذا، من دون استحداث أيّ آليّة مستقلّة أو منفصلة.

اجتماع باريس: دعم الجيش ينتظر امتحانات جديدة؟ .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print