هذا ما يخطط له مستشارو النكد في السراي

سلام-وجابر-والبساط

قل لي من تستشير أقل لك ما النتيجة التي ستحصل عليها. رئيس الحكومة نواف سلام، لا أحد يشك في حسن نواياه في إطار سعيه لتسريع معالجة أزمة الانهيار المالي الشمولي القائم في البلد منذ 2019. لكن المشكلة أن سلام، الضليع بالقانون والقضاء، يحتاج، ولكي يتخذ القرارات الصائبة إلى الاستعانة بمستشارين اقتصاديين وماليين، ذوي خبرة واسعة، وذوي أخلاقيات لا لبس فيها. وهنا تكمن المشكلة التي قد تقود البلد إلى كارثة تتجاوز بتداعياتها ومفاعيلها ما تسبّبت به كارثة الانهيار الأول اواخر العام 2019. ففي السراي مستشارون وخبراء في النكد والمؤامرات وتصفية الحسابات الشخصية على حساب الناس والاقتصاد. ومن البديهي في هذه الحالة، أن تكون النتيجة ما تسرّب إلى الإعلام في المسودة التاسعة من قانون الانتظام المالي (قانون الفجوة المالية)، والذي من شأنه تدمير الاقتصاد لسنوات طويلة، وحرمان المودعين من حقوقهم. من غير المقبول ان تستوطن خلايا الحقد والافلاس والتآمر  السراي، ولا بد لرئيس الحكومة ان ينتفض ويطرد هذه الخلايا من “الهيكل” قبل فوات الاوان. 

لا تتوقف المشكلة عند حدود المستشارين المشبوهين، بل تتعداهم إلى فريق العمل الوزاري الذي يتابع هذا الملف الحساس الذي يتعلق بحقوق الناس (المودعون)، وبمصير الاقتصاد في المستقبل (مستقبل القطاع المصرفي). يترأس هذا الفريق وزير المالية ياسين جابر، وهو رجل اقتصاد يُفترض انه يعرف “البئر وغطاه”، وكان الاعتقاد السائد أنه يمكن الاعتماد عليه، لأنه يستطيع أن يدرك بحسّه الاقتصادي وخبرته، خطورة تعريض حقوق المودعين ومصير المصارف للخطر. لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن يشعر جابر في وقت من الأوقات بأن مصلحته الشخصية تفترض “مسايرة” صندوق النقد الدولي، ومحاولة كسب وده، ولو على حساب مصلحة البلد وناسه. وتحولت هذه المحاولة إلى ما يشبه الانبطاح الكلي أمام الصندوق، ولو أن جابر حاول في أكثر من مناسبة أن يدّعي العكس، ويوهم الرأي العام ببطولات رفض بعض شروط الصندوق، في حين تبيّن الحقائق عكس ذلك. وهناك أكثر من تفسير لهذا الانبطاح الذي يمارسه وزير المالية، من ضمنها ما يتردّد عن طموحات جابر المستقبلية. إذ يعتبر الرجل أن كسب رضى صندوق النقد يعني عمليًا كسب ودّ الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي، وأن ذلك سيؤهله يومًا ما ليكون خليفة بري في رئاسة المجلس.

في كل الأحوال، وسواء كان هذا التفسير دقيقًا أم لا، ما يقوم به جابر خطير. لقد وصف علنًا الأزمة بأنها أزمة نظامية، وتحدث بإسهاب عن هذا الموضوع، ومن ثم تصرف عكس ذلك، وهذا يعني أنه يراوغ، حيث لا تجوز المراوغة، لأن حقوق المودعين ليست للمراوغة، ولا هي وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية شعبوية. وكذلك مستقبل الاقتصاد، ينبغي أن يكون خطًا أحمر.

يكتمل المشهد الأسود مع وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط الذي شكّل توزيره في البداية نقزة شعبية على اعتبار أن ارتباطه بمجموعة “كلنا إرادة” قديم وموضع شبهة. لكن الرجل نجح نسبيًا في خلع هذا الثوب عنه في أول إطلالة تلفزيونية، وأعطى صورة مختلفة سمحت للرأي العام بالرهان على خبراته ومواقفه المبدئية التي عبّر عنها في تلك الإطلالة (مع الزميل مرسيل غانم). لكن الكلام شيء، والتصرفات الفعلية شيء آخر مختلف. ولا يبدو أن البساط نجح في التخلّض من بقايا الأفكار القديمة التي كانت تسكنه في مجموعة “كلنا إرادة”، بدليل أنه يعمل عكس ما قاله في مواقفه العلنية. وهو بات أقرب إلى وجهة نظر من يسعى إلى القضاء على القطاع المالي في البلد، ويروّج لمصارف جديدة سيتم استقدامها.

عند هذه النقطة بالذات، لا بدّ من إعادة التوضيح، إن المصارف الأجنبية والعربية لن تأتي إلى لبنان في ظل الوضع القائم. وسيصبح قدومها أصعب إذا جاء حل الأزمة النظامية على حساب القطاع المصرفي القائم، إذ كيف نأمل أن يؤمّن مستثمر على أمواله للقدوم إلى لبنان، إذا كان يرى بأم العين أن الدولة التي تدعوه للمجيء، سرقت أموال المودعين والمصارف، ومن ثم تنكّرت لجريمتها وحمّلت العواقب للضحية. (المودعون والمصارف). لكن هذا الواقع يتغير إذا كنا نتحدث عن المجيء بمصارف “سياسية”، أي بمصارف تقف وراءها جهات سياسية لا تعلّق أهمية على مبدأ الربح والخسارة، بل تهدف إلى السيطرة على القرار المالي في البلد، ولو تكبدت الخسائر. ومثل هذا الأمر يعتبر مؤامرة مكتملة الأوصاف، لا يمكن أن تمر.

في النتيجة، سيكون الرهان كبيرًا على رئيس الحكومة، الذي يقف كجلمود صخر في وجه من يحاول منع الدولة من استعادة سيادتها، في موضوع نزع السلاح غير الشرعي، وحصره في يد الدولة. وتمامًا كما يقف ابن عائلة سلام العريقة هذا الموقف الشجاع والحكيم حيال السلاح، ولأن نواياه سليمة، فان كل ما يحتاجه الأمر هو أن يستعين بخبرات مستشارين ماليين واقتصاديين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والأخلاق، ومن المؤكد أن هؤلاء سيساعدونه على اتخاذ القرارات الصحيحة لمعالجة الأزمة. لا أحد يريد التباطؤ في الحل، ولا مصلحة لأحد قي تعطيل الحلول، لكن المطلوب معالجة تأخذ في الاعتبار عنوانين أساسيين مرتبطين ببعضهما: حقوق المودعين واستمرارية القطاع المصرفي. وأي حلّ من خارج هذا السياق، ساقط حتمًا.

هذا ما يخطط له مستشارو النكد في السراي .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print