بري يلعب آخر أدواره، والحكومة أمام محاذير عدّة

بري-50-2

ما زال رئيس مجلس النواب نبيه بري يتصرّف كأنه شريك مضارب في السلطة التنفيذية، أو كأن الترويكا التي ازدهرت في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي مستمرّة في الجوهر وإن غابت في الشكل. بل إن رئيس المجلس يذهب بعيدًا في استغلال بعض ثغرات “الطائف” من خلال الاستنساب في تطبيق الدستور والنظام الداخلي للمجلس وفي مخالفة الأصول والمنطق الديمقراطي. ولذلك، فإن إصراره على عقد الجلسة التشريعية التي غاب عنها نصف نواب المجلس تقريبًا هو بحدّ ذاته تحدٍ للحكومة وأغلبية النواب، ولو شاركت قلّة ممن قاطعوا الجلسة السابقة، أملًا في حلحلة معيّنة وتسهيلًا لإمرار بعض مشاريع القوانين.

على أن المشكلة ليست بهذا التبسيط كما يقول قياديّ سياديّ بارز، لأن الرئيس بري لم يكتفِ بعقد الجلسة، بل تمادى في طرح مشاريع واقتراحات القوانين على التصويت، ليمرّ بعضها بالكاد بنصف أصوات نواب المجلس، فيما مرّ البعض الآخر بما يقارب ثلت أصوات المجلس مكتملًا، أي أنه لم يوافق عليها ثلثا المجلس النيابي، وهذا بحدّ ذاته أقرب إلى تهريب القوانين على يد أقلية.

ومن الواضح أن رئيس المجلس تمادى في تخطي دوره وموقعه الرسمي والوطني، ليلعب دور رئيس حركة “أمل” وأحد ركني “الثنائي”، من خلال إصراره على إقرار البند المتعلق بقرض البنك الدولي لإعادة إعمار الجنوب بقيمة 250 مليون دولار، وكأن جلّ ما يهمّه هو استرضاء بيئته و “حزب اللّه” الذي ما زال يصرّ على التمسّك بسلاحه خلافًا لقرار مجلس الوزراء واتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية واتفاق الطائف.

لقد اختار الرئيس بري كما يقول القيادي نفسه، أن يتصرّف وفق مصلحته الشخصية ومصلحة فريقه متحديًا إرادة الحكومة وأغلبية اللبنانيين، ليس هذا فحسب، بل أظهر أن جلّ ما يهمه هو إرضاء فئة، ولو انزعجت واستهجنت فئات أخرى، تمثل غالبية اللبنانيين، هذا الأداء، لا سيّما في ما خصّ التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب، بما يسمح للمغتربين حيث هم بالاقتراع للمقاعد الـ 128 .

على أن المواجهة مع رئيس المجلس ومن يمثل سياسيًا ليست إلى نهاية، ولا أحد يريد تعطيل عمل المجلس، بل إن رئيس المجلس بتصرفاته يعطّل عمل الحكومة ويفتئت على إرادتها عبر الاستخفاف بقرارها إحالة مشروع قانون تعديل قانون الانتخاب على البرلمان، وتركه في درجه خلافًا للأصول. فكم بالحري عندما يتبيّن أن موقفه سيقود إلى تأجيل الانتخابات النيابية، وكأن لا شيء تغيّر، أو كأن لا رئيس جمهورية ولا حكومة ولا رئيس حكومة، ولا خطاب قسم ولا بيان وزاريًا.

ويلفت القيادي السيادي إلى أن الرئيس بري يخوض عمليًا آخر مواجهاته ويؤدّي آخر أدواره، في ما يشبه في عرفه سباقًا مع الوقت ومع العمر ومع الاستحقاقات والتطوّرات المقبلة المتوقعة، على قاعدة “نحصّل اليوم ما لن نستطيع تحصيله غدًا”.

ويخلص القيادي إلى القول: “إننا خسرنا معركة صغيرة، لكننا لم نخسر الحرب من أجل كسر أكثر من ثلاثين عامًا من الهيمنة والتلاعب بالدستور والأصول، علمًا أن الفريق الذي يمثله الرئيس بري هو سيد التعطيل من بعيد، إذ إن أعوامًا طويلة تمّ هدرها من خلال تعطيل الاستحقاقات الرئاسية والنيابية والحكومية على التوالي، وحتى من خلال تعطيل قرارات متخذة عند التنفيذ أو تنفيذها بشكل مجتزأ واستنسابي. وكيف ننسى إقفال المجلس سنوات عدة لغايات سياسية وفئوية ضيقة، علمًا أن أي تعطيل مزعوم يحاوله الفريق السيادي هو للخلاص من لوثة التعطيل المزمن، والتي قادت البلاد إلى المهالك والمصائب والكوارث”.

على صعيد آخر، تؤكد أوساط نيابية قاطعت الجلسة أن ثمة عتبًا يصل إلى حدّ اللوم على رئيس الحكومة “الذي يبدو أنه يسلّم نسبيًا بتصرفات الرئيس بري، علمًا أننا كنا ننتظر منه موقفًا أكثر حزمًا ووضوحًا، لأنه المعني الأول بحجز مشروع قانون تعديل قانون الانتخاب، والذي وافقت عليه الأكثرية الحكومية الساحقة بأغلبية فاقت الثلثين”، وتسأل هذه الأوساط: “ما الذي تغيّر لدى الرئيس نواف سلام ليخفف وتيرة مواقفه السيادية؟ علمًا أن رئيس الجمهورية لا يتحمّل أوزارًا بقدر ما تتحمّلها الحكومة. وهذا لا يعني عدم حض الرئيس جوزاف عون على اتخاذ مواقف أشدّ صلابة، وهو الأدرى بمن يريد نجاح عهده عبر تكريس التغيير الفعلي والجذري في نهج طال أمده، وبمن يريد تنفيس اندفاعة العهد وحصره في دائرة المراوحة، ما يهدّد بإضاعة فرصة استثنائية للخلاص من إرث الوصاية، وفتح الباب واسعًا أمام استعادة سيادة الدولة على قرارها وأرضها. ولذلك لا بدّ من إحياء هيبة الدولة كما بدت في المرحلة الأولى التي أعقبت خطاب القسم، لتعطيل عودة الفيتوات في وجه العهد وفي وجه الحكومة وفي وجه قرار حصر السلاح، لا سيّما أن الأجواء توحي بتطوّرات قد تغيّر في بعض جوانب المعادلة القائمة”.

بري يلعب آخر أدواره، والحكومة أمام محاذير عدّة .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print