حضر التشريع وغاب قانون الانتخاب عن الجلسة. ولم يحتج الأمر أكثر من 11 دقيقة بعيد الموعد المحدّد للجلسة ليتمّ إبلاغ رئيس المجلس بأن عدد النواب الداخلين إلى القاعة بلغ 65، فيسارع بدوره إلى الدخول في تمام الـ 11:12 مفتتحًا الجلسة.
في الواقع، لم يكن الأمر مفاجئًا. فالاتصالات السياسيّة حضّرت الأجواء مسبقًا هذه المرّة، مدعّمةً بعوامل عدّة أدّت دورًا في تأمين النصاب: أوّلها، ضرورة المصادقة على محضر الجلسة السابقة. وثانيها، ضغط البنك الدولي لإقرار اتفاقيات القروض الموقعة معه. وثالثها، غياب الأفق السياسي لحلّ قانون الانتخاب. فحضر نواب تكتل “الاعتدال” وعدد من النوّاب المستقلّين الذين غابوا عن الجلسة السابقة غير المنعقدة، فبلغ عدد المشاركين 67 نائبًا.
مباشرة، افتتح بري الجلسة بالوقوف دقيقة صمت عن النائب الراحل غسان سكاف والنائب السابق الراحل زاهر الخطيب. وقبل أن ينتقل إلى جدول الأعمال، تحدّث النائب ملحم خلف، فسجّل اعتراضًا على إبرام الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص من دون العودة إلى مجلس النواب. قبل أن يسجّل اعتراضًا ثانيًا على عدم إدراج اقتراح القانون المتعلّق باقتراع المغتربين على الجلسة، بعدما أثارت النائبة بولا يعقوبيان المسألة، متوجّهة إلى بري بالقول: “أنت تقوّض الدستور والعملية الديمقراطية في ما تقوم به، وكان عليك إدراج المشروع المعجّل المحال من الحكومة على جدول الأعمال، وعدم تضمّن الجلسة هذا المشروع، يشكّل مخالفة من قبلك”. لكن بري لم يعلّق، منتقلًا إلى جدول أعمال الجلسة، وأول بند عليه قرض البنك الدولي لصالح مجلس الإنماء والإعمار بقيمة 250 مليون دولار، والذي سارع النائب جبران باسيل للاعتراض عليه، لعدم إقرانه بخطة من الحكومة. الأمر الذي أوضحه وزير المال، مشيرًا إلى أن “الخطة موضوعة من الحكومة، التي أنشأت صندوقًا بهذا الخصوص، وقرض البنك الدولي أوّل خطوة فيه، وهناك وعد من البنك الدولي بقرض آخر بوقت قريب”.
كذلك، أقرّ قانون القضاء العدلي أو استقلالية القضاء مع اعتراض تكتل “لبنان القوي” عليه. مسألة أخرى أثارها باسيل معترضًا وهي قرار ديوان المحاسبة بتغريم وزراء اتصالات سابقين، من بينهم عضو تكتل “لبنان القوي” النائب نقولا صحناوي، معتبرًا أن القضية من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
أمّا بند تمكين البلديات الجمع والنقل والمعالجة من المصدر للنفايات مقابل رسم، فخضع لنقاش مطوّل، بدأ باعتراض نواب من كتلة “الوفاء للمقاومة” عليه، انضمّ إليهم النائب جميل السيد ونائبا “اللقاء الديمقراطي” أكرم شهيب وبلال عبد اللّه، والنائب طوني فرنجية. فطرح بري إمكان إعادته إلى اللجان النيابية للبحث. لكن النائب ابراهيم كنعان سجّل اعتراضًا على ذلك، طالبًا الاستماع إلى وجهة نظر وزيرة البيئة على هذا الصعيد. فشرحت بدورها أن المسألة ضرورية من ضمن خطة الحكومة لمعالجة النفايات. وأوضح وزير المال أن الصندوق البلدي المستقل يعاني من كسر بقيمة 450 مليون دولار، وإقرار القانون يسهم بمعالجة النفايات ويخفف الأعباء على الدولة المركزية. فاستمرّت الاعتراضات، فتدخل النائب آلان عون داعمًا إقرار القانون، وهكذا فعل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب. ودعم النائب علي حسن خليل هذا التوجّه طارحًا تعديلًا بسيطًا. فأعلن بري طرح البند على التصويت، فأقرّ. الأمر الذي رأى فيه كنعان “خطوة لتحقيق اللامركزية الإدارية التي ننادي بها منذ زمن طويل وللحدّ من الهدر المالي المريع الذي وضعنا الإصبع على جرحه في لجنة المال منذ سنوات”.
بعدها، خرج نواب “الوفاء للمقاومة” و “الاعتدال” من الجلسة ففقد النصاب. فرفع بري الجلسة بعد المصادقة على محضرها، لتصبح القوانين المقرّة في هذه الجلسة، وفي جلسة 29 أيلول التي فقد نصابها ولم يقفل محضرها نافذة. ومن بينها، الشراكة بين القطاعين العام والخاص وما يرتبط بمطار القليعات، و 12 مليون ليرة شهريًا للمتقاعدين في القطاع العام، وهو عمل موقت وضروري لإنصافهم بانتظار الحلّ الشامل.
بعيد الجلسة، أراد النائب علي حسن خليل الإشارة إلى أن “الجلسة ليست تحدّيًا لأحد على الإطلاق، والأمور المتعلّقة بالانتخابات تعالج وفق الأصول، والأهم عدم خلق ذرائع لتأجيلها أو إلغائها”.
أما رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، فحضر في هذا الوقت إلى مجلس النواب، رغم مقاطعة كتلة “الجمهورية القوية” الجلسة التشريعية، وأعلن في تصريح “نحن لا نقاطع التشريع ومجلس النواب، إنما الممارسة الخاطئة التي تجري في المجلس”، سائلًا :”هل نترك المسار الماضي مستمرًا؟” مضيفًا: “بدأنا مرحلة جديدة تتطلب تصحيح مسار عمره 30 عامًا… ووقت التسويات على طريقة “أبو ملحم” ولّى عليه الزمن”.
لا جلسة تشريعية مقبلة إلّا لإقرار موازنة 2026 في الشهر الأوّل من العام. وفي الكواليس، بات الجميع يتعامل مع الانتخابات النيابية على أنها لن تتمّ في موعدها المحدّد في أيار 2026، وأن التأجيل التقني لا بدّ منه. والصيغة المتداولة تنصّ على تعديل المهل وإجراء الاستحقاق في تموز أو آب 2026. لكن همسًا آخر يرتفع بدوره عن أن مجرّد طرح التمديد سيفتح الباب على مدة أطول لن تقل عن سنة. فترة يرى فيها كثيرون مدّة كافية لحسم مسألتين في عهد الحكومة الحالية والمجلس النيابي القائم: حصرية السلاح بيد الدولة، والقوانين الإصلاحية المطلوبة وفي مقدّمها “الانتظام المالي واستعادة الودائع”.
الجلسة التشريعية المقبلة للموازنة… والسؤال: إلى متى التمديد؟ .