«الميكانيزم» أمام «استحالتين»: إحياء «هدنة 49».. وتشكيل «المجلس الملّي»

nakoura-liban-9

عشية الاجتماع الثاني للجنة «الميكانيزم» بعد مشاركة المدنيين في أعمالها، والخامس عشر منذ تأليفها، تعدّدت الطروحات غير المبنية على أي معطيات دقيقة. ومنها اثنتان: الأولى تتحدث عن إمكان إحياء العمل باتفاقية الهدنة لعام 1949، وهو أمر اقترب من أن يكون مستحيلاً. والثانية تتصل بتطعيم الوفد اللبناني بمدنيين شيعي وسنّي، بما يؤدي إلى تشكيل «مجلس ملّي» لإدارة المفاوضات. وفي ظل الاعتقاد بصعوبة تطبيق الخطوتين، تنحو القراءات إلى تحديد المؤشرات والدلائل الآتية.

مما لا شك فيه، انّ الأنظار ستتّجه في الساعات المقبلة إلى اجتماع لجنة «الميكانيزم» المقرّر غداً الجمعة في الناقورة، وذلك في إطار السعي إلى استشراف المرحلة المقبلة، وما يمكن أن تحمله من تطورات نتيجة تطعيم الوفدين اللبناني والإسرائيلي بمدنيين اثنين، وخصوصاً إن واظبت المستشارة الأميركية مورغان اورتاغوس على مواكبة عملها بطريقة مباشرة، وانضمام الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إليها أو من ينوب عنه في المرحلة اللاحقة. ذلك انّه لا يمكن تجاهل هذه التطورات لما توحي به من سيناريوهات مفاجئة، قد تأخذ المفاوضات في اتجاهات مختلفة، على أمل ان تكون حافلة بالإيجابيات على ندرتها.
وفي ظل التوقعات المنطقية وغير المنطقية المتصلة بالجديد المنتظر، توقفت مراجع ديبلوماسية وسياسية عند بعض الملفات التي يُحتمل طرحها في الجلسات المقبلة للجنة، وخصوصاً ما يتصل بالطرح اللبناني لإحياء العمل بهدنة 1949 التي يتمسك بها لبنان مدخلاً إلى الحديث عن عملية تثبيت الحدود الدولية بين البلدين، متى وصلت المفاوضات إلى هذه المرحلة، على رغم من الأجواء التي توحي برفض إسرائيلي مطلق للفكرة، مدعوماً بموقف أميركي قد يؤدي إلى صرف النظر عنها إن لم تحصل أي مفاجآت غير محتسبة. كما بالنسبة إلى مشروع تطعيم الوفد اللبناني المفاوض بمدنيين شيعي وسنّي، كما أُشيع في الأيام القليلة الماضية.
بالنسبة إلى الملاحظة الأولى الخاصة باتفاقية الهدنة، فإنّ مصادر ديبلوماسية وسياسية قالت في إحدى جلسات المشاورات الجارية على هامش التحضير لانطلاقة المفاوضات بصيغتها الجديدة، إنّ هذه الاتفاقية قد تجاوزتها الأحداث الاخيرة، بعد سقوط المعايير التي كرّستها مع بقية دول الجوار الإسرائيلي في مراحل مختلفة تلت التوصل اليها قبل 76 عاماً. وأضافت هذه المصادر، انّه لم تعد هناك أي محادثات يمكن العودة إليها استناداً إلى ما قالت بها اتفاقيات العام 1949 بما فيها الترتيبات الخاصة التي تحدثت عنها على الحدود بين إسرائيل وجاراتها المصرية، الأردنية والسورية، بالنظر إلى سقوطها تلقائياً تبعاً للتطورات العسكرية المتتالية على الجبهات الثلاث، ولذلك فإنّ الاحتفاظ بها على الجانب اللبناني من الحدود بات أمراً صعباً، وفقاً للمعطيات الآتية:
ـ على الجانب المصري، يمكن الإشارة إلى انّ الاتفاقية التي وقّعتها إسرائيل في 24 آذار 1949 قد سقطت مفاعيلها، وكل وما قالت به من تفاهمات على جانبي الحدود، وحلّت محلها ترتيبات جديدة اتُخذت في عقب حرب 1973، عندما استعادت مصر صحراء سيناء وأُعيد النظر فيها بعد زيارة الرئيس المصري انور السادات للقدس وتوقيع اتفاقية «كمب ديفيد» في 17 أيلول 1978 التي مهّدت لتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وتمّ ترسيم الحدود الجديدة، بعدما استعادت مصر منتجع طابا بالتحكيم الدولي.
أما على الجانب السوري ايضاً، فقد سقطت مفاعيل تلك الاتفاقية بعد احتلال الجولان، وتكرّست بدائلها بعد حرب العام 1973 إثر استعادة لواء من الجيش العراقي الذي قاتل إلى جانب الجيش السوري مدينة القنيطرة، وحلّت محلها الترتيبات الخاصة بالمنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل. وهي وقائع تهاوت بدورها مجدداً بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وتجديد إسرائيل احتلالها للمنطقة العازلة وصولاً إلى جبل الشيخ وتوغلها إلى تخوم العاصمة دمشق.
أما على الجانب الأردني، فقد سقطت مفاعيل اتفاقية العام 49 أيضاً، وهي التي تمّ توقيعها في 3 نيسان 1949، بعدما تمّ التوصل إلى اتفاقية «وادي عربة» في 26 أيلول 1994 بين الأردن وإسرائيل في المنطقة التي حملت اسمها، والتي أنهت حالة الحرب بين الدولتين، وقالت بإقامة علاقات ديبلوماسية متبادلة كاملة، معطوفة على الحدود الجديدة بين الدولتين.
واستناداً إلى ما تقدّم، تتحدث المراجع الديبلوماسية المطلعة عن صعوبة الوصول إلى اعتراف إسرائيلي بما قالت به اتفاقية العام 1949، والتي وضعها لبنان في مقدمة شروطه لأي مفاوضات مقبلة بما فيها تلك الجارية اليوم في الناقورة. وهو أمر يتوقعه كثر منذ أن عبّرت تل أبيب عن رفضها العودة إليها بما فيها اعترافها بالحدود المرسومة بين الدولتين والمودعة في دوائر مجلس الأمن الدولي منذ العام 1923. وإنّ من خاض المفاوضات السابقة لسنوات عدة حول تثبيت الحدود البرية بين البلدين، يدرك هذه العقبات بعد إصرار الوفد اللبناني على إلغاء العمل بـ «الخط الأزرق» الذي عُدّ خطاً حدودياً يتصل بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان منذ 25 ايار 2000 ولا علاقة له بالحدود الدولية. وهو ما كرّسته المفاوضات حول النقاط الـ13 المتنازع عليها، والتي لم تتوصل سوى إلى تسوية 7 نقاط منها، استعاد لبنان خلالها حقه، ولو كان متصلاً بأمتار قليلة كما حصل في البعض منها.
وعليه، تتوقع المراجع عينها أن تكون المفاوضات المقبلة اصعب بكثير من ذي قبل. فالاحتلال الإسرائيلي لما يسمّى اليوم النقاط الخمس، زادت من تعقيدات الامر، خصوصاً انّ هناك امراً واقعاً جديداً رفع عدد النقاط الخمس المحتلة حديثاً إلى 11 نقطة، بعدما أقامت نقاطاً متقدمة لحمايتها، بحيث انّ أي مفاوضات مقبلة ستتركّز حول عدد جديد من النقاط يربو في أدنى الحالات على 24 نقطة متنازع عليها.
وعلى هامش النقاط المثارة هذه، توقفت المراجع عينها عند ما يُتداول به عن إمكان ضمّ مدنيين جدداً إلى الوفد اللبناني المفاوض. فأشارت إلى اهمية ما أعلنه نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب من قصر بعبدا أمس، عندما كشف انّ رئيس الجمهورية لم يسمع بهذا الاقتراح، وهو ما فتح النقاش في مصدر هذه الرواية وهوية مفبركها. ذلك أنّ لا رئيس مجلس النواب نبيه بري طرح الموضوع كما قيل، ولا رئيس الحكومة نواف سلام فاتح رئيس الجمهورية بالاقتراح.
الّا انّ البحث عن أصل الرواية ومصدرها أظهر للمراقبين العارفين، انّ تشكيل «مجلس ملّي» لإدارة المفاوضات كان اقتراحاً هجيناً من بنات أفكار احد مراكز الدراسات الذي أوحى بالحديث عن هذا الاقتراح سعياً إلى التشكيك في المهمّة التي كُلّف بها السفير السابق سيمون كرم، والتشويش عليها قبل أن يتمّ استيعابها والقبول بها ولو على مضض. ولإبراز هذه العلامة الفارقة، اكتفى العارفون بالإشارة إلى انّ «الثنائي الشيعي» الذي لم يكن راضياً اصلاً عن إدخال مدني إلى لجنة «الميكانيزم»، هل له أن يقبل بتسمية سفير مثل السفير رامي مرتضى الذي ما زال في الخدمة الديبلوماسية الفعلية في وزارة الخارجية، بعدما أنهى مهمّته سفيراً للبنان في لندن.

«الميكانيزم» أمام «استحالتين»: إحياء «هدنة 49».. وتشكيل «المجلس الملّي» .

Facebook
WhatsApp
Telegram
X
Threads
Skype
Email
Print